التعليم: من الإرتجالية إلي التسييس |
الثلاثاء, 12 نوفمبر 2013 22:16 |
تحتل التربية والتعليم موقعا محوريا في البناء الحضاري للأمم ، وتحرص الأنظمة التربوي الحديثة والمعاصرة علي ضبط مجال التربية بجملة من المعايير تمكنها من الإبتعاد - ولو نسبيا - عن مجال الممارسة السياسية وصراعاتها ،لكن النظام التربوي الموريتاني ظل دائما يستنكف عن المعيارية ويخضع عوضا عنها للإرتجالية والشخصنة ،مما أهله ليتبوأ المركز الأخير خلف ليبيريا في القائمة السوداء للأنظمة التربوية الفاشلة في إفريقيا والعالم ، لكن نظام الثنائي (ولد عبد العزيز ، ولد باهي) أبدع نهجا جديدا لتسير التعليم وفق "معيارية" ولكنها سياسية .وقد تكفل ولد باهي بوضع الأسس لتلك المعيارية الجديدة وعهد لقادة وأطر حزب الإتحاد بتنفيذها..! فكيف نفهم مرتكزات هذه الخطة الجديدة ؟ وماهي أهم إنجازاتها؟ أنشئت لأول مرة وزارة دولة للتعليم وألحقت بديوان وزيرها وزارت للتعليم الأساسي والثانوي والفني واستقدم رجال الحزب المخلصين لقيادة تلك الوزارات وأعلن عن تنظيم منتديات للتعليم تنفيذا لتعهدات مرشح الرئاسة الفائز والجنرال المتقاعد . كانت المنظومة التربوية حينها قد وصمت بالفشل في تقارير المنظمات الدولية وفي منظور الموريتانيين ومن بينهم القادة الجدد ، وأعتقد المنتمون للتعليم أن كل تلك الإجراءات جاءت من أجل النهوض بالتعليم وتجاوز معوقاته وأهمها : - الإرتجالية علي مستوي القرار: نتيجة ارتباط مؤسسات التعليم بنفوذ القائمين عليها وانتماءاتهم وعلاقاتهم . - نقص الخبرة لدي من يتولون قيادة النظام التربوي الموريتاني:نتيجة غياب المعايير التربوية في شغل وظائف القيادة . - انعدام التمويل الكافي لبناء المؤسسات التعليمية ووضع خطة وطنية لصيانتها - إختلالات الخريطة التربوية : نتيجة التقري الفوضوي والتسرب المدرسي والتخلف المجتمعي. - تقادم البرامج التربوية المدرسة وغياب التكوين علي المقاربات التربوية الجديدة وطرق التدريس الحديثة. فمالذي تحقق بعد عدة سنوات دراسية ومنذ أن استحدثت عدة"هياكل" فريدة من نوعها في تاريخ البلاد؟ - علي مستوي "الهياكل" : شهدت الوزارة سلسلة من "الهياكل" كل هيكلة منها تنتهي قبل أن تبدأ ،فلم يتم تعيين الوظائف في أي هيكلة جديدة وخلفت تلك الوضعية تسيبا في الإدارة وتعطلا في العمل في بعض القطاعات الحيوية التربوية منها خاصة ،فقد وجد العاملون في القطاع أنفسهم في وقت من الأوقات أمام أكثر 70 إدارة مركزية- نظريا- لم تعمل منها في الواقع سوي إدارات قليلة. - علي مستوي تسير الوزارات: شهدت الوزارات نزاعا محموما للصلاحيات والتمويلات بين المنتدبة والمكلفة من جهة وبين وزارة الدولة المهيمنة من جهة ثانية ، - مؤسسات التعليم: لم تخضع خلال السنوات الماضية لأي توجيه تربوي أو إداري وإنما تركت للشخص الذي يسيرها والذي أصبح اختياره - وفق المعايير "الباهيه "الجديدة - يتم بطريقة موحدة بين الحزب الحاكم والوزارة وهي الخطة التي سنشرخها الآن والتي تعتبر أهم إنجازات نظام ولد عبد العزيز ومدير ديوانه ولد باهيه في مجال التعليم: أولا: أعطيت قيادة التعليم لشخصيات سياسية تقود حزب الرئيس : - ولد باهيه: هو الذي من مثل حزب الرئيس في أهم حوار سياسي شهدته البلاد مع جزء من المعارضة وترتبت عليه جميع التوافقات السياسية وحتي الإقصاء المتعمد لبقية الطيف السياسي المعارض. - إسلكو : أخلص رجال ولد عبد العزيز بعد ولد باهي مدير ديوانه السابق هو من يتولي وظيفة وزير التعليم العالي. - ولد معطل:الأمين العام لحزب الرئيس والرجل الأكثر استماتة في الدفاع عن النظام -مهما كلفه ذلك - هو نفسه وزير التعليم الثانوي. - كل القائمين علي التعليم اليوم يمارسون أدوارا سياسية داخل حزب النظام بطريقة مباشرة. ثانيا:المنتديات كل الميزانيات واللجان والخطط والترويج الإعلامي من أجل تنظيم منتديات عامة يشارك فيها جميع الفاعلين التربويين والسياسيين والمجتمع المدني انتهي بها الأمر إلي هدر للمال العام وكومة من الورق تتكدس في أدراج وزارة الدولة لتختفي معها دون أن يشعر أحد بحجم المهزلة. ثالثا: المعيارية السياسية : ظهرت هذه "المعيارية" كنتيجة مباشرة لتولي قيادات حزب الرئيس تسيير "الحزب سياسيا" و"التعليم تربويا ". بدأت نتائج هذه المعيارية تظهر في اختيار الأشخاص لشغل مواقع قيادة النظام التربوي وتنعكس بشكل علني في نقل طريقة الحزب في التعامل مع الموظفين ومراعاة التوازنات السياسية حتي في تأدية العمل التربوي. فلابد من حصة للنساء وأخري للشباب وأخري لمنحدر من الشرق ثم من الغرب ومن سكان النهر والشمال ..! تتجلي هذه المعيارية أيضا في أسلوب المسؤولين التربويين الذين يراد لهم أن يثمنوا .......ويؤيدوا....... ويساندوا..... .ويطبلوا.... ويزمروا.............. وأن يخرجوا من معاقل البيداغوجيا والديداكتيك إلي دور الشباب وحفلات التمجيد للنظام والتملق دون أدني مبرر. إن ماهو مطلوب من قادة نظام المعيارية السياسية الجديد هو أن يخفوا عجز النظام عن الوفاء بوعوده وعهوده للشعب الموريتاني ويظهروا إنجازات وهمية وتضليل إعلامي ممنهج للرأي العام الوطني . إن سلك المفتشين التربويين ليس سوي سلكا من أسلاك التعليم التي لم تري النور حتي الآن خوفا من استحقاقات مالية مترتبة عليها . وهو يأتي بإرادة وزير التعليم الثانوي الأمين العام لحزب الرئيس وبقية المسؤولين الحاليين الذين يشملهم والذين يوفر لهم امتيازات هم في أمس الحاجة لها بعد الخروج من التعيين (وهو هاجس لايكاد يفارقهم بحكم معرفتهم لمزاج الرئيس ). أما بقية المفتشين فلن يستفيدوا من هذا السلك شيئا وقد جاء في مادته الثالثة مايلي:(سيحتفظ المعنيون (...) بالأجور المتعلقة بالسلم القياسية لأسلاكهم القديمة ........). تري مالذي نثمينه في سلك لم يضف لأصحابه علاوة أو امتيازا مهما كانت بسيطة ؟ وهل يتوجب علي الموظفين تثمين كل ما تتخذه الحكومة من إجراءات اتجاههم ؟ إنها سياسة المعيارية السياسية التي جعلت قطاع التعليم يتحول إلي فرع من حزب الرئيس ولد عبد العزيز ويشرف عليه مدير ديوانه ولد باهيه. الحاج ولد المصطفي:[email protected]
|