المنسيون من متن الكتاب!
الجمعة, 08 نوفمبر 2013 03:09

altبالأمس توفيت والدة أحد السجناء “الإرهابيين” الموصوفين ب “السلفية الجهادية”، لم تعرف الأم وهي تواجه الموت أي سجن يضم

ابنها، وهل نفذ فيه حكم الإعدام الصادر بحقه، أم أن سهم القضاء لم ينفذ فيه بعد،…لم يستطع قلب الأم وهو ينتفض انتفاضته الأخيرة أن يكون أقل ألما، أقل قلقا، أقل حيرة وعجزا مما كان فيه!.

هي مأساة إنسانية حقيقية ضمن كتاب متنه  هم :  السلفيون المقاتلون لمجتمعهم ولحكامه، و هامشه المنسي هم أهالي ذلك الشباب الذين يواجهون نقمة ضحايا الإرهاب في مجتمعنا ، ويواجهون مشاعرهم تجاه أبناء ربوهم و أنفقوا عليهم جهدهم، ليصيروا في المحصلة ما بين قتيل و سجين مسجل تحت عنوان: خطر جدا !. ‏بتاريخ 23 فبراير 2010، وقبل أن يستفحل وضع أولئك الأهالي -أو بعضهم-، قررت – رفقة زميل صحفي كان قد سبقني للتعرف على تلك الأسر-، أن أقوم بتحقيق استقصائي يحاول أن يحدد بدقة كيف يتعامل أهالي من يوصفون بالسلفيين المقاتلين مع وضعيات أبنائهم؟ وكيف يرون ما يصدر في حقهم من عقوبات ومن إدانات؟…و هل يبدو لهم  أنهم منسيون من متن كتاب الإرهاب، وطرق علاج آثاره وتداعياته من قبل السلطة؟. كانت بداية الرحلة من “الحي العسكري”….حي من مقاطعة توجنين ، يجسد الصورة النمطية للفقر،شأنه شأن كثير من أحياء عاصمتنا الخمسينية العجوز،..تتداخل الطرق أمامنا وتتشابك ..، كنا نبحث عن أهل” الراظي” الذين فقدوا ابنهم في مواجهات”سانتر امتير”الدامية،…يوصف “الفتى”بأنه سلفي،هكذا تصفه أجهزة الأمن،لكن لوالدته رأي آخر فيه، فهي تقول لي:.”..إبني ليس سلفيا،إنه ضحية للسلفيين،..حاصروه، وألحوا عليه بصحبتهم حتي جعلوه مشبوها عند أجهزة الأمن..” هكذا تصف الأم المكلومة إبنها الفقيد،…تتعدد أسئلتي لها عنه: كيف بدأت رحلته التي أوصلته إلى أن “يصبح متهما بالانتماء الي السلفية الجهادية”؟،..تصمت الأم قليلا ،..يبدو التأثر عليها،ثم تقول في حزم مهذب:  انتهى كل شيئ، لم يعد هنالك جدوى من الحديث عن الموضوع،..لقد فقدت ابني،وأحمل المسؤولية أمام الله لسيدي ولد سيدينا والخديم ولد السمان،..كانا يتصلان به،..ويلحان عليه في ذلك،حتى جعلوه مشبوها، مطاردا، لا يستطيع أن يعينني في أي شيئ من تكاليف الحياة اليومية ونوائبها..، ثم تضيف في تأثر يقترب من البكاء :..لم يكن له علاقة بالسلفية ،..كان فتى بارا بي ولا يفعل أي شيئ دون مشورتي، كان فقط من جماعة الدعوة والتبليغ”الدعاة” ، ولم يكن “يخرج”معهم حتي يأخذ إذني،…الآن فقدته،…..ولم يعد لدي أي شيئ لأقوله سوى إنا لله وإنا اليه راجعون،..يكفي هذا ولا مجال للتصوير ولا لشيئ آخر،..انتهى كل شيئ!!. كان علي أن أتوقف عند هذا الحد، فالأسرة لا ترغب في المقابلات ولا في الحديث أمام كاميرات الصحافة،علمت بعد ذلك من أخته أن ابنهم كان المسؤول الأول عن “حانوت”صغير يشكل  المورد اليومي”لرزق”هذه الأسرة المتواضعة ، مررنا أثناء خروجنا من الحي”العسكري” بطرقه المتشابكة،على “حانوت أهل الراظي”المطل علي شارع الأمل، كان يبدو من بعيد مغلقا، مهجورا !. اتجهنا  إلى “حي انبيت عشرة”في نفس المقاطعة لزيارة “أهل سيدي ولد سيدينا”، كان هناك سؤال يلح علي أثناء انصرافنا من “الحي العسكري: ماذا ستفعل والدة”ولد الراظي” في غياب ابنها الذي كان يعينها علي نوائب الدهر،ويعمل في حانوتهم من أجل تحصيل لقمة للعيش في حي فقير ,وعشوائي وترتفع فيه تكلفة الحياة بشكل جنوني؟؟؟؟،….. عند “أهل سيدي ولد سيدينا” تتكرر المأساة الانسانية بشكل لا يختلف كثيرا إلا في التفاصيل الصغيرة…: والده شيخ أعمى، يشعر بوجودنا بحكمة “الكهل”الذي عركته سطوة المعاناة، وعودته على وجود الصحافة والاعلام، أردته  أن يحدثني عن سيدي، أردته أن يكشف لي متى وكيف فقد ابنه، حينما انتمى إلي طريق يخالفه،..قال الشيخ الطيب:” فقدت ولداي معا،..الشيخاني مات تحت التعذيب، قتله الحرس في السجن، لا لشيئ  إلا لأنه شقيق سيدي ولد سيدينا،.لم يكن سلفيا ولا مقاتلا، والثاني سيدي وهو معتقل الآن ، ومن يوم أن اعتقل وأنا أجزم بأنه لن يعود إلي،…..يصمت الرجل ويشيح بوجهه ليخفي عبرات توشك أن تسيل،….ثم يقول : بالنسبة لسيدي لقد نصحته كثيرا،عندما أتاه صديقه ، وطلب منه أن يذهب معه إلى تمبكتو لكي يبيعا سيارة هناك،ثم ذهبا من هناك إلى “بلعور” وبايعاه،..وانقلبت حياته  بعد ذلك تماما..، وعندما اعتقلتهما الشرطة ، وقامت بإطلاق سراح صديقه  ،كنت أعرف أنه تم توريطه !،… كنت أستمع للشيخ الحزين الذي يأبى أن تفر دموعه ، وهو يحكي معاناتهم  اليومية لمعرفة أخبار أبنائهم ،و أحوال صحتهم، وظروف سجنهم. إنها قصة هؤلاء الذين يوجدون بين نارين، نار عاطفة مشبوبة لايملكون لها دفعا تجاه أبنائهم وفلذات أكبادهم، و نار إدانتهم ورفضهم للنهج الذي يسير عليه هؤلاء الأبناء، إنها قصة الألم والدموع التي يجترها الآباء ،و قصة الدم الذي يراق بلا حساب من طرف”المقاتلين الأبناء” ، حينما يتركون ذويهم للالتحاق بمعسكرات “القاعدة” ، طلبا لما يتصورون أنه”جهاد واستشهاد”،…وتتكرر القصة وتعم كل أحياء نواكشوط”الغارقة في الفقر رغم كل الوعود السياسية… فمن حي “البصرة”يخرج “موسى أو معاوية”ذات مساء، ليفجرنفسه في الطريق الجانبي المحاذي للسفارة الفرنسية،…: “إنها ردة فعل الفقراء على الأغنياء” ، هكذا يتصور أحد المحللين للعملية النوعية، ويبرر ذلك بكون “الفتى المنتحر”،جاء من ذلك الحي الفقير ، ومن أسرة تعاني شظف العيش ، والأسرة لاتملك ما تواجه به المستقبل سوى ذلك الابن ، الذي فضل أن يعلن عن نفسه بشكل مدوي،  وسط الحي الراقي الذي توجد به السفارة الفرنسية !!. ويرى بعض الذين يحاولون مقاربة  الملف السلفي، أن هؤلاء الأهالي منسيون بشكل كبير من طرف السلطات المعنية،  ولذلك فهم يواجهون ظروفهم الحياتية الصعبة ، وينشغلون بذلك عن مراعاة وفهم التأثيرات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية،… وحتى السياسية التي تكتنف أبناءهم،ويستدل  أحدهم على ذلك  بأن الشباب الموريتاني اليوم ، المنفتح على “الانترنت والمواقع الجهادية”في بعضه، والمنفتح على “مواقع الأغاني والأفلام الإباحية”،في بعضه الآخر، يشترك في نقطة تقاطع وهي غياب برامج الرعاية الأسرية، والتأطير الديني السليم لفهم حقيقة الإسلام الوسطي،وتوفير البيئة السليمة لنموه الطبيعي . ويعبر أحد “الشباب”الذين التقيتهم في مقاطعة دار النعيم قائلا: نحن نعيش في قبور،..فكيف تتصور أن يفعل أحدنا  حين يلتقي برجل له  لحية وعمامة يسمانه بالوقار، ويقدم له الدنيا  “المال” ثم يعده بالآخرة؟؟؟ !.

------------------------

تحقيق ومتابعة الصحفى لحبيب الشيخ محمد

إعلان

الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox

فيديو

البحث