تتحرك قاطرة السلم اليوم بكل ثقة و اطمئنان , و بعنفوان غير مسبوق في الخطاب و ديناميكية محترمة في حركية الفعل المؤثر و تسطيرآثاره الواقعية بنضج و احتراف .....
مؤتمر مراكش (25 إلى 27 يناير 2016 ) لحقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية المنظم بالتعاون بين وزارة الأوقاف المغربية و منتدى تعزيز السلم في المجتمعات , يكتسي أهمية إضافية لكونه ينظم في منطقة المغرب العربي و برعاية مباشرة من الملك محمد السادس الذي استطاع بحكمة و حنكة أن يعبر بالمملكة أمواج الفتن المتلاطمة في ظرفية دقيقة و حرجة حتى أوصلها بر الأمان ...
كان هذا المؤتمر الذي تمخضت جهوده النبيلة عن ( إعلان مراكش) بمثابة إحياء للوثيقة المحمدية التي أَسسَت منذ أربعة عشر (14) قرنا , لدستور المدينة صونا لحق العيش المشترك و المساكنة الإنسانية بين المسلمين و أتباع الديانات السماوية المختلفة , و حلقة نموذجية في سلسلة الجهود التي أطلقتها كوكبة من العلماء و المفكرين و صناع السلام برئاسة الإمام عبد الله بن بيه منذ أربع سنوات من العاصمة الإماراتية ( أبوظبي ), من أجل وضع حد لاختطاف النصوص الدينية و الوقوق في وجه إسقاطات و مفارقات و مفاصلات الحديد و النار التي أهلكت الحرث و النسل و انتهكت الحقوق الإنسانية في ديار المسلمين .
من المؤكد أن إشراك الأقليات الدينية في هذا المسعى النبيل دليل على إنسانية الرسالة التي يحملها هذا المشروع للناس كافة , متكئََا في ذلك على نصوص الوحي , مُستنََا بأخلاق النبي صلى الله عليه و سلم في الحفاظ على حقوق المسلم و غير المسلم احتراما لإنسانية الإنسان بغض النظر عن دينه و لونه و جنسه و عرقه .
إن الحضور المهيب و التمثيل الواسع لمختلف البلدان و المؤسسات و الجمعيات الإسلامية حول العالم و الذي لم يستثني قطرََا من الأقطار و لا مصرََا من الأمصار ممثلين بثلاثمائة (300) شخصية من علماء المسلمين و مفكريهم و وزرائهم و مفتيهم على اختلاف مذاهبهم و توجهاتهم من أكثر من مائة و عشرين (120) بلدا , و بحضور إخوانهم من ممثلي الأديان المعنية بالموضوع داخل العالم الإسلامي و خارجه , و غيرهم من المنظمات الدولية , يعكس الصدى الفعلي لنداءات السلم التي أطلقها منتدى تعزيز السلم في مؤتمريْهِ , الأول و الثاني في أبو طبي , و في خطاب الإمام عبد الله بن بيه في الأمم المتحدة , إضافة إلى التدخلات الميدانية بشكل مباشر في مناطق التوتر و النزاعات , و التي تصب كلها في جداول السلم و الرحمة ....
شاركْتُ في المؤتمر ضمن مجموعة من الشباب المسلمين الذين يؤمنون بأن الإسلام دين إحياء لا دين قتل , دين تعايش لا دين تنازع , و أن الأمة تحتاج اليوم أن تثبت انتمائها للإسلام , ليس فقط بالشعارات بل بالسلوك و المعاملات و بتقديم النموذج النبوي في التعامل مع المسلم و غير المسلم حيث كانت أخلاق المدرسة النبوية جذابة لغير المسلمين و مدهشة في مواطن عديدة لأعداء الإسلام لما فيها من تنازل عن مغريات الدنيا و زينتها في سبيل الهداية و نشر الفضيلة ....
و بالفعل كان إعلان مراكش ردا قويا وواضحا على الشبهات التي يحاول الكثير من الغربيين و أتباع الديانات الأخرى و بعض المنتسبين للإسلام إلصاقها أو ربطها بدين الإسلام السمح , كما كان فضاءََ تشكلت فيه خريطة العيش المشترك في صورة مصغرة لما يجب أن تكون عليه علاقات البشر من مساكنة و تعايش و أخذ و عطاء ...
كانت رسائل الإمام عبد الله بن بيه في هذا المؤتمر واضحة حيث أكد على أن الإهتمام بالأقليات الدينية في هذا المؤتمرلا تعني مطلقا إهمال الأكثريات و لا النكبات التي يتعرض لها السواد الأعظم من المسلمين , لكنه توسيع للجهود و إشراك لأطراف لها صفة الشراكة في التاثير و التأثر مما يحدث من اضطرابات , و حَمَّل جميع المؤتمرين رسالة المؤتمر حيث قال : علينا جميعا أن نرجع من هذا المؤتمر رسلا للسلام في منابرنا و في بلداننا و جامعاتنا و معاهدنا و مجتمعاتنا ....إننا فالفعل نحتاج أن نكون دعاة إعمار لا أدوات دمار , دعاة إحياء لا أدوات قتل , نريد أن نجعل السلم بساطا للعدل و أن نجعل العدل وسيلة للسلم .
حمزه ولد محفوظ المبارك .