من أجل غزة طبًعتٌ /عبد أحمد سالم | 28 نوفمبر

إعلان

من أجل غزة طبًعتٌ /عبد أحمد سالم

خميس, 06/30/2016 - 01:08

  بعد قطيعة دامت ست سنوات تعلن تركيا التطبيع مجددا مع الكيان الصهيوني المسمى بإسرائيل وهو تطبيع يمثل في الحقيقته مجرد عودة إلى علاقات سابقة كانت قائمة منذ سنين قبل أن يعكر صفوها الهجوم الإسرائيلي على سفينة مرمرة التركية في عمق بحار غزة حيث كانت تحمل مساعدات إنسانية من أجل فك الحصار ضمن أسطول الحرية عام 2010. لقد أثار التطبيع التركي أو عودة العلاقات السياسية والدبلوماسية بين تل آبيب وأنقرة إلى سابق عهدها ردود فعل متباينة، منددة مخونة في بعضها ومستغربة في بعضها الآخر لمواقف الإسلاميين الذين تعود الرأي العام العربي الذي يفتقد للنموذج القدوة والقائد الشهم بعد صدام حسين آخر رجالاته على خطابهم الثوري وطرحهم المتزن ووقوفهم مع الحق وتمثل في خطابات ومواقف الرئيس التركي رجب طيب أردغان ومن قبله عبد الله غول.

الواقع والحقيقة أن تناول الصحافة العالمية لإعادة ترميم العلاقة بين إسرائيل وتركيا بصيغة التطبيع أضفى وسمه بالطابع السلبي نظرا لما تحمله الكلمة من شحنة سلبية تاريخيا وعاطفيا جعلت من أصحاب العواطف الجياشة يتلقون الإجراء بنوع من الاستغراب بل والإدانة القلبية حتى لقوة تعود الرأي العام العربي الإسلامي على مواقف مشرفة لها جعلتها ملاذا آمنا لعواطفهم المشحونة بالكراهية للعدو الصهيوني من جهة ولواقعهم المحلي الذي يتأرجح بين كره الواقع وتعبث بعواطفه نظرية المؤامرة. إذا نظرنا الى الاتفاق الممهد للتطبيع وأهم النقاط التى تضمنها نجد أنها تتعلق في أغلبها بفك الحصار أو تخفيفه عن قطاع غزة حيث يسمح الاتفاق لمؤسسة الإسكان التركية باستكمال مشاريعها الصناعية في غزة وتسريع إنشاء المنطقة الصناعية في جنين ورفع الحصار بشكل جزئي من خلال السماح بدخول أطنان من المساعدات الإنسانية والبدء في توليد الكهرباء وبناء مستشفى كبير في القطاع. فيما تتمثل استفادة تركيا من الاتفاق إذا تجاوزنا إعادة فتح السفارات وتبادل الدبلوماسيين في الــ20 مليار المقدمة لأهالي قتلى وجرحى السفينة.

ليس هناك برأيي ما يجبر تركيا على توقيع اتفاق مع إسرائيل على استعادة علاقات غير مبنية على أسس سليمة والدخول في مفاوضات استغرقت كل هذا الوقت واستدعت حضور رئيس المكتب السياسي لحركة حماس سوى التخفيف عن سكان غزة المحاصرة أصلا والتى أصبحت في عزلة تامة بعد سقوط حكم الرئيس محمد مرسي وتولي المشير عبد الفتاح السيسي السلطة في مصر، فالملف الاقتصادي الذي قد يكون الأهم في العلاقة بين البلدين لم يتأثر –عكس ما حدث في الحالة الروسية - حيث ظل التبادل التجاري قائما بينهما رغم الأزمة الدبلوماسية حيث وصل في فترة استفحال الأزمة (2010-2011) 770 مليون دولار أمريكي، كما زاد التصدير التركي لإسرائيل في نفس الفترة بأكثر من الضعف رغم تجميد مشاريع الطاقة وتعطل مشروع مروحيات "بلاك هوك" وكانت استفادة إسرائيل أكبر منه، وهكذا ظل التبادل التجاري في ازدهار ووصل أرقاما لم يصلها من قبل عام 2013 بمعدل 4.85 مليارات دولار بزيادة بلغت نسبة 39 %، كما ظل تبادل الزيارات والوفود ورجال الأعمال قائما طوال السنوات الست عمر الأزمة، مما يعني أن الجانب الاقتصادي ليس الدافع وراء ما حلا للكثيرين بتسميته بالتطبيع بكل ما يحمل الأخير من شحنة تصرف الذهن من دون شك إلى العمالة ومحاباة العدو على حساب الدين والوطن والضمير والأمة.

الغريب أن الهجوم اللاذع الذي تعرضت له تركيا بعد النسخة الجديدة من التطبيع مع الكيان الصهيوني تناسى أصحابه نسخا أعرق وأقدم وأكثر عارا أغتصب الكيان أرضها وقتل أبناءها لم تقطع العلاقة معه حتى تستعيد ولو يسيرا من كرامتها ناهيك عن الثأر لاسترجاع حقوق الفلسطينيين. طبعت تركيا ولا مرحبا بالتطبيع ولكن لسان حالها يقول: "مكره أخاك لا بطل"، من أجل غزة طبعنا كما قتلنا قبل ذلك في عمق البحر قبالة غزة. في الوقت الذي كان المحلل السياسي والخبير الاستراتجي والمفكر الثاقب النظرة لا يرى تخفيفا من معاناة سكان غزة المحاصرين يلوح في الأفق بعد تمكن الجيش المصري من الانقلاب على حكم الاخوان المسلمين ومشاركة مصر المحكمة في خنق أنفاس الغزاويين وكيل التهم الزائفة لهم بقتل أفراد من الجيش المصري بعد تدمير الأنفاق وبناء الجدار كانت تركيا تعمل جاهدة من أجل إيجاد وسيلة ضغط على الكيان الصهيوني تمكن من وصول بعض المساعدات لسكان القطاع ولم تكن تملك من الأوراق إلا دماء أبنائها الذين استشهدوا في نفس السبيل فأرخت دمهم لقاتلهم كي تكفف على سكان غرة في ظل انشغال معظم الدول العربية بشؤونها الداخلية وأزماتها الاقليمية رغم أن تركيا ليست أحسن حالا من كثير من تلك الدول حيث تحاصرها الحروب من كل مكان في سوريا والعراق ويثقل كاهلها اللاجئون السوريون. إذا هي صفقة رابحة إنشاء الله أو هو تطبيع شريف يحمل بصمة خنالمقاومة والقاعدة تقول إن المقاومة ما كنت وراء صفقة مع الكيان الغصب إلا خرج مطأطئ الرأس خاسر الرهان جبانا كما دخل.