تركيا وايران تقتربان من حل سياسي للازمة السورية برعاية روسية.. | 28 نوفمبر

الفيس بوك

إعلان

تركيا وايران تقتربان من حل سياسي للازمة السورية برعاية روسية..

جمعة, 08/19/2016 - 20:25

عبد الباري عطوان

خطوط الاتصالات الايرانية التركية تزداد سخونة هذه الايام، ومن غير المستبعد ان تتمخض الزيارة التي سيقوم بها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى طهران الاسبوع المقبل، (ربما يوم الاربعاء)، عن مفاجآة كبيرة ليس على صعيد حدوث اختراق في المصالح الثنائية التجارية، وانما ايضا على صعيد الازمة السورية.

الاسبوع الماضي زار السيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية الايراني انقرة، والتقى الرئيس رجب طيب اردوغان، واليوم (الجمعة)، طار الى طهران مولود جاويش اوغلو في زيارة سرية غير معلنة اجتمع خلالها مع نظيره الايراني ظريف لخمس ساعات.

ماذا يجري بالضبط، وما هو محور هذه الاتصالات واللقاءات السرية والعلنية؟ وما هي اسباب هذه “الحميمية” المفاجئة في العلاقات بين البلدين اللذين يقفان في خندقين متواجهين في الازمة السورية؟

للاجابة على هذا السؤال لا بد من العودة الى التصريحات “الصادمة” التي ادلى بها السيد نعمان كورتولموش، نائب رئيس الوزراء التركي الى الصحافيين، ونقلتها صحيفة “حرييت” التركية، ونقول صادمة، لانه وجه فيها انتقادا شرسا غير مسبوق لسياسة بلاده في سورية، عندما وصفها بأنها “اصبحت مصدرا لآلام كثيرة تعاني منها تركيا اليوم”، واضاف في موضع آخر “انشاء الله سيتم قريبا التوصل الى حل يمكن للشعب السوري ان يقبله ويكون بديلا عن فرض الحل من الخارج”.

الجملة الاهم في تصريحات السيد كورتولموش في رأينا تلك التي قال فيها “انني اؤمن بأنه حان الوقت لانتهاء الحرب بالوكالة في سورية، وانشاء الله سنجد الحل”، ولا نعتقد ان هذا التفاؤل يأتي من فراغ او من قبيل التمنيات.

هذا الانقلاب في الموقف التركي تجاه الازمة السورية الذي تتبلور عناصره بسرعة، يعود بالدرجة الاولى الى اعتماد الولايات المتحدة الامريكية الاكراد كحليف استراتيجي، والتقدم الكبير الذي حققته قوات سورية الديمقراطية ذات الغالبية الكردية في شمال غرب سورية، ونجاحها في السيطرة على مدينة منبج، واخراج قوات “الدولة الاسلامية” منها بعد معارك طاحنة، ومخاوف تركيا من ربطها، اي منبج، بمدينة عفرين، واقامة منطقة حكم ذاتي كردي على حدودها على غرار كردستان العراق ومقدمة لاخرى مماثلة في ديار بكر شرق تركيا.

***

 

قبل الانقلاب التركي الفاشل، حدد بن علي يلدريم رئيس وزراء تركيا الجديد سياسية بلاده في سورية حاليا، وقال انها تحظى بمراجعة شاملة عمادها منع القوات الكردية من اقامة دولة صغيرة Mini State، في الشمال السوري، واكد ان هناك شرطين اساسيين للحل في سورية من المنظور التركي:

الاول: الحفاظ على وحدة الاراضي السورية.

الثاني: اقامة نظام حكومي تتمثل فيه كل الاديان والعرقيات والمذاهب، ولم يتطرق مطلقا لبقاء الاسد او رحيله.

تحقيق الشرط الاول يتمثل في رفض تركيا لمشروع “الفدرلة” الامريكي لسورية، واقامة ثلاثة اقاليم واحد في الشرق، والثاني في الغرب، والثالث في الشمال للاكراد، وتعارض تركيا هذا التقسيم كليا لانه سيكون مقدمة لتقسيمها، اما بالنسبة الى الشرط الثاني فيمكن ان يتحقق من خلال تشكيل حكومة سورية موسعة تقسم اليمين اما الرئيس السوري، وتتمثل فيها كل الاعراق والاديان، وتكون مقدمة لاصلاحات سياسية واقتصادية شاملة، وتؤيد دول المثلت الروسي التركي الايراني هذه الصيغة.

الاكراد واكراد سورية على وجه الخصوص،  كانوا العامل الرئيسي للتقارب الايراني التركي، والتغيير الجذري في سياسة تركيا تجاه الازمة السورية، وقد يكونون الضحية الاكبر للتفاهم الروسي التركي، والتركي الايراني، من خلال اتفاق الاطراف الثلاثة على منع قيام دولتهم التي بات قيامها قاب قوسين او ادنى.

اعلان البنتاغون اليوم عن ارسال مقاتلات لحماية القوات الكردية العاملة مع مستشارين امريكيين من غارات لطائرات سورية استهدفتهم امس (الخميس) قرب مدينة الحسكة، شمال شرق سورية، تطور خطير قد يأتي ردا على التفاهمات التركية الايرانية الروسية ضد الاكراد، وللحل في سورية ايضا.

 

***

الامر المؤكد ان الحلف الروسي الايراني التركي يترسخ، وان تركيا بعد الانقلاب هي تركيا مختلفة، وتقاربها مع ايران بهذه السرعة، ومراجعتها الجذرية لسياساتها في سورية، يعني خروجها من الحلف السعودي القطري الامريكي الذي كانت عماده منذ بداية الازمة السورية قبل خمس سنوات.

التسوية للازمة السورية وفق الشروط والتفاهمات الايرانية التركية، وبمباركة روسية، باتت اقرب من اي وقت مضى، اللهم الا اذا حاولت الولايات المتحدة عرقلتها، وهذا احتمال ليس قويا لما يمكن ان تترتب عليه من تبعات ابرزها الصدام الروسي الامريكي سياسيا، ربما عسكريا ايضا، لان هذا الحل سيكون على حساب الاكراد حلفاء واشنطن، ودولتهم التي وعدتهم بها امريكا والغرب.

حديث كورتولموش بانه حان الوقت لانتهاء “الحرب بالوكالة” في سورية، يعني وقف دعم المعارضة السورية المسلحة، واغلاق الحدود التركية في وجه اي دعم عسكري ومالي لها، وقد يكون مقدمة لتصفيتها بعد تجميعها في شرق حلب وجنوبها، تماما مثلما جرت تصفية قوات “الدولة الاسلامية” في منبج.

المشهد السوري على ابواب تطورات مفاجئة، قد يكون من بينها الاقتراب من الحل السياسي اكثر من اي وقت مضى، والله اعلم.