الشاعرة المصريّة هاجر عمر لـ”رأي اليوم”: تُجَّارُ الدِّينِ والمشرِّعون السِّياسيّون والمجتمع التقليديّ ظَلَمَوا المرأةَ | 28 نوفمبر

الفيس بوك

إعلان

الشاعرة المصريّة هاجر عمر لـ”رأي اليوم”: تُجَّارُ الدِّينِ والمشرِّعون السِّياسيّون والمجتمع التقليديّ ظَلَمَوا المرأةَ

اثنين, 10/17/2016 - 11:01

حاورها: ناصر أبو عون

من الوجهِ البحريّ في دِلْتَا مِصْر النَّائمةِ بينَ ذِرَاعَيّ النِّيلِ، والحَالمةِ بِعَرُوسِ النَّهرِ السَّابِحَةِ شَوقًا مِنْ ينابيعِ الجنوبِ الأسمر إلى بحيراتِ الشَّمالِ الصَّاخِبَةِ بليلِ الأغنياتِ، وحكايا القُروياتِ الفاتناتِ، ومن عُمقِ الرِّيفِ المتنوّرِ خَرَجَت “هاجر عمر” من شُرْنقةِ الإبداعِ إلى عَوالمَ رَحْبةٍ؛ دَيدُنها الانفتاحُ على آفَاقٍ ثقافيّةٍ لا متناهيةٍ، تفتحُ ذِرَاعَيها للحياة، تستعيرُ رُوحَ (المحروسةِ)، و(ضحكةَ بنات بحري) في قصائدها، وتطير على جناحِ (أمّ الدنيا) في سماواتِ الشعر ومجَرّاته، تتزيّا بألوانِ البهجةِ، وتكتسي فَساتين البراءةِ وتَحُطّ كفراشةٍ على ز(َهْرةِ العَاميّة المصرية) فَتَعِبُّ من رحيقِ نَضَارَتها على ألسنةِ السائرين على قلوبهم في الشوارع والحارت، وتَرْتَشِفُ مِن بتلاتِ أزاهير الساهرين هيامًا في الأزقة والمشربيّات، وتَسْكَرُ من حكايا المواويلِ، ولكن سَرعانَ ما تنتقلُ إلى القصيدةِ الفصيحةِ مفتونةً برسوخِ جُذورِها، طامِحَةً إلى اتِّساعِ خَريطتها. نجحتْ “هاجر عمر” بنت (محافظةِ البحيرةِ) في اقتناصِ الجائزةِ الأولى من وزارةِ الثقافةِ المصريّة للمبدعين الشَّباب عام 2015 عن ديوانها (المتمنية)، كما صدرَ لها من قبلُ كتابُ “ليل الحواديت”، وكان لها شرف تمثيل مصر فى (ملتقى الشارقة للشعراء الشباب)، وحظيت بنشر مجموعة مختارة من أعمالها في إصدارات (دائرة الثقافة والإعلام) هناك، وحَلَّتْ ضَيْفًا على الكثيرِ منَ الأمسياتِ الثَّقافيةِ الهامةِ والدوليةِ. وتستعدُّ الآنَ لإصدارِ ديوانها الجديدِ تحتَ عُنوان “الجازية”… وقد التقيناها ودار الحوار…

(1)   في ديوانكِ (المتمنية) الفائزِ بالجائزةِ الأولى للهيئةِ العامّةِ لقصورِ الثَّقافةِ لعام 2015م، طَالَعْنَا استخدامَ الـ(أنا) الذَّاتَوِيّة بِكَثرةٍ حَتَّى “أَصْبَحتْ الذَّاتُ هي المرْكَزُ بَدِيلا عَنِ القَصِيدةِ” أَلا يأْخُذُكِ هَذَا المنحَى نَحْوَ الانْزِوَاءِ في رُكْنٍ قَصِي مِنَ المشْهَدِ الإِبْداعِيّ والخَارِطَةِ الشِّعريّة العَربيّةِ المترامِيَةِ الأطرافِ؟

*** فعلا نتفق.. أعلنت (الذات الشاعرة) منذ البدء في الديوان مكانتها السَّامقة في عالمي الشعري واستطاعت (الأنا) القوية أن تكون محورًا رئيسًا في كل أرجاء الديوان حيث أَثَرَتْ (الذات الشاعرة) استخدام (الأنا الثائرة) على كل قيد يعرقل مسيرتها ، والمتمردة على واقع عربي لا يصحو من غفلته، يصمت أمام تحديات العصر المستمرة، يستكين أمام أدوات الموت التي يصنعها له الآخرون، ويترك لعدوِّه تحريكه كيفما يشاء. ربما تبدو الأنا ذاتية للوهلة الأولى لكنها في الحقيقة عربية حتى النخاع، تفخر بهويتها العربية وأهم ملمح لها هو كل ما يخلد مآثرها وأمجادها ويذود عنها، وهل غير الشعر بمدافع؟!  فالشعر ذاكرة الأمة وديدن الحفاظ على لغتها العربية ومفرداتها قديمها وحديثها، وبه تمكنت الذات الشاعرة من القصيد.الذات الشاعرة حاملة للهم العربي، بكل قضاياه وشجونه وتُسخِّر شعرها لهذا الغرض السامي، هكذا أرى.

(2)   مِنْ مُتَابَعَاتي لكِ فيمَا تَكْتُبين وعَبْرَ وَسَائِلِ التَّواصِلِ الاجْتِمَاعِيّ التي صَارَتْ بَدِيلًا دَيْنَامِيْكِيًا للنَّشْرِ الوَرَقيّ، وفُرْصَةً للمُرُوقِ مِنْ شِبَاكِ مَافْيَا دُورِ النَّشْرِ لُوحِظَ اعْتِدَادُكِ بِشَخْصِيَّةِ “المرأة” و”اسْتِيْعَابٍ لجَرْأَةِ الأُنثى” في “مُواجَهَةِ النَّزْعَةِ الذُّكُورِيَّةِ”.. هَلْ هَذِه السِّمَةُ مُكْتَسَبَةٌ بِالنَّشْأَةِ التَّرْبَوِيَّةِ، أَمْ رِدّةُ فِعْلٍ وَاقِعِيَّةٍ على الانْتِهَاكاتِ السَّائِدَةِ في الوَسَطِ الاجْتِمَاعيّ بَعْدَ تَرَاجُعِ مَنْظُومَةِ القِيَمِ الأخْلاقِيّةِ لأسْبَابٍ اقْتِصَادِيَّةٍ وسِيَاسِيَّة؟

*** النشر الإلكتروني مبدئيا لا يغني، ولا يسمن من جوع إذا قُورِنَ بالنشر الورقي لكننا لن نختلف في أنه وسيلة للتواجد والظهور، أما عن شخصية المرأة وجرأتها فالمرأة لا تختلف عن الرجل في دخولها إلى ساحة الشعر.. فهي تستجيب مثل الرجل لتلك المثيرات والهموم التي تعانيها باعتبارها فرداً من المجتمع.. ثمَّ تدخل إلى عالم الشعر باعتبارها امرأة تمثل جنسها. هي تشارك الرجل في الاستجابة الأولى -اجتماعياً- ولابد أن تختلف عنه في دخولها عالم الشعر.. وليس مطلوباً منها أن تكون رجلاً شاعراً.. خاصة أن إحساس الرجل بما حوله لابد أن يختلف عن إحساس المرأة.. ومن ثم فمن المسلَّم به أن تختلف الألوان والمذاقات والاستجابات باختلاف هذا الإحساس. وأقول بأن تقدم المرأة اقترن مع لحظة تاريخية عربية متميزة، هي النهضة العربية، وقد مر تطور المرأة بمرحلتين أساسيتين: (مرحلة تذكير القضية النسائية) التي تولى فيها الرجل هذه القضية ودافع عنها، ودعا إليها، والمرحلة الثانية، هي (مرحلة تأنيث القضية) التي تبنت فيها المرأة قضيتها ودافعت عنها، حتى وصلت إلى هذا المستوى من الحياة وأدى بها هذا النضال إلى ولوج فضاءات متعددة، وعبرت من خلال هذا عن كفاءات ومردوديات الإنتاج سواء على المستوى العمليّ، أو على المستوى المعرفي، هنا أفتح قوس لأقول: بأن المرأة الشاعرة المبدعة تتحمل قسمًا من المسؤولية في تصحيح هذه الصورة النمطيّة التي سادت وما تزال في الشعر العربي الحديث، على المرأة الشاعرة المبدعة أن تعمل على تفجير اللغة وإيجاد وخلق مجازات خاصة تعمل على إعادة الاعتبار للذات الأنثى وإعادة الاعتبار للقلم الذي سُجن لسنوات طوال في نمطية استهلكتها.

(3)   هل كان انْتِقَالُكِ مِنْ شِعْرِ (العَاميّة) الأكثرِ حُضُورًا وجُمْهورًا عَلى السَّاحةِ الثَّقافيةِ إلى (القصيدةِ الفصيحةِ والنُّخْبَويّة) تطورًا طبيعيًّا لمسيرتكِ الشِّعريّةِ أم إنَّه تحدٍ وتَجْريبٍ وبحثٍ عن نوافذَ إبداعيّةٍ جديدة؟

*** أرى عكس مايرى الآخرون فالعامية حالة آنية بمعنى أن القصيدة العامية قصيدة مسموعة تحقق الكثير من التجاوب والمتعة لكن وقت سماعها فقط لكن الثابت والراسخ هو القصيدة الفصيحة ولك مثلا أن تذكر لي شاعرا عاميا واحدة في الجاهلية، أو صدر الاسلام، أو العباسي، أو الأندلسي و ما بعد ذلك .. لم أهجر العامية لكنني أحب أن يذكرني التاريخ و لي أن أقول: إن الشعر الجميل لا يمكن إلا أن يبدو جميلا مهما كان الثوب الذي يلبسه. والعبرة في فنيّة القصيدة وليس في شكلها اللغوي فقط. أما لماذا كتبتُ الفصحى والعامية فأنا شاعرة أحاول أن أُبحر في أعماق القارئي إلى أبعد مدى لتوصيل الفكرة والمتعة الفنية إليه ولذلك من يقرأ شعري الفصيح يجد فيه الطوابع الشعبية المتوفرة في الشعر العامي ولا فرق.

(4)   لوحظ أنّ الذَّاتَ الشَّعريّة لدى “هاجر عمر” تترّفعُ عَنِ الانْزلاقاتِ التي وَقَعَ فيها كَثيرٌ من مُجَايليها فَتَحَصَّنَتْ ضِدَ “جنونِ وهوسِ التجريبِ”، و”تَعَالَتْ عَنْ كَسْرِ التَّابُوهاتِ”، و”نَأَتْ بِإبْدَاعِهَا عن المسَاسِ بالمقَدَّسَاِت” كيفَ تنظرين إلى الخارجِين عن السِّياقِ الأخلاقي للإبداعِ والغارقين في لُغةِ الجَسَدِ والمستسلمين للحَوَاسِ.. أليستْ هذه الأنْوَاعيّة في الإبداعِ مُعْتَرفًا بها في الحضارة الغربية؟

*** هتك الثالوث المحرم: (الدين، الصراع الطبقي [السياسة]، الجنس)، يعدُّ الإطار العام الذي يضمُّ النشاط الأدبيّ للمرأة العربية، مع إنه لا يكاد يكون عاملاً مستقلاً منفصلاً عن (الظلم الاجتماعي)؛ إذ أنّ هذه الأقانيم الثلاثة ليست عند التدقيق، إلا المظاهر التي يتألف من اجتماعها وتضافرها المبدأ العام لفلسفة الظلم الاجتماعي: فالمرأة تعرضت لظلم شديد من (تجّار الدين)، وجنى عليها المشرِّعون، والمجتمع التقليدي بتقاليده البالية بلا امتراء. كما إنه لا يكاد أن يكون نشاطاً مما تنفرد باجتراحه المرأة دون الرجل. ومما يجب قوله هنا: إن هذا الثالوث لا تحظى أقانيمه جميعاً بدرجة متساوية من التركيز والعناية في التعبيرات العربيّة.

(5) معظم شعراء جيل التسعينيات فرَّوا بإبداعهم من أَبَوِيَة “السبعينيين” غيرِ الشرعيّةِ التي ارتضوها جبرًا وقَسْرًا وهجروا الشِّعْرَ إلى فنونِ السَّردِ، والرّوايةِ ألا تُفكرينَ بَعْد تَجْربَة ناضجةٍ مع شعرِ العَامية، وتجربة أنثويةٍ جرئيةٍ معَ القصيدةِ الفصيحةِ في التَّمرّدِ على الشِّعْرِ وسيدِ الفنون والهُروبِ إلى دَهَاليزِ الروايةِ؟!

*** اللون الأدبي يختار صاحبه من هجر الشعر هجره الشعر، إنْ لم يكن مخلصا له.. أنا شخصيا أنتمي للقصيدة ولا أراني خارج بروازها .. أرتديها ثوبا وحجابا ولا أرضى بغيرها حبًّا

(6) تراجعُ المسرحِ الشّعريّ عربيًا وصارَ في ذيلِ قائمةِ الإبداعِ، ورُبَّما يَنْقَرضُ بِفْعلِ عَواملٍ اقتصاديةٍ، أو سِيَادةِ تكنولوجيا الاتصالِ واتّسَاعِ رُقْعَةِ النَّشْرِ الإلكتروني.. وعلى المسْتَوى النِّسويّ فلا وجُودَ له.. ألا تفكرين في خوضِ التَّجربةِ، أو الدخولِ في تمرينِ واقعيّ لإنجازِ هكذا عم

*** المسرح الشعريّ العربيّ لي ملاحظات عليه منذ نشأته فقد ولد ليكون موجودا لا ليكون رائدا وعلما وبالتالي لم يستمر. أضف إلى ذلك عوامل اقتصادية وفنية.. فمن هو المنتج الذي يضحي بأمواله لإنتاج نص مثقف.. ومن هذا الجمهور الذي سيذهب لمشاهدة هذا اللون في زمن أصابت مجتمعاتنا حمى الإسفاف ولا أرانا سنشفى.