السبت, 21 سبتمبر 2013 15:43 |
في أعقاب كل تعديل وزاري أو تشكيل حكومة جديدة، ومنذ أن كانت موريتانيا، تتردد على الألسنة داخل كل "الصالونات" و غيرها من الأماكن و في كل المواقف و المحادثات أسئلة من قبيل: · إلى أية قبيلة ينتمي الوزير أو الوالي فلان و ما هو عرق الحاكم أو المدير أو السفيرعلان؟ · كم عدد المنحدرين من الطائفة أو الإثنية الفولانية أو الطبقة العلانية ؟ و تأتي الردود على عفويتها المصطنعة و تقبلها التلقائي في غياب شبه تام لمفهوم الدولة الدستورية التي يغلب عليها مضمون المواطنة و تنتفي فيها القسمة ذات الطابع الطائفي و "المحاصصة" على الأسس القبلية و العرقية و الطبقية. حقيقة يزيدها مرارة ما يظهر الواقع من نفيها و سد الأبواب أمام المكاشفة و التحاور و المصارحة بشأنها و تبادل الآراء النيرة حول: حقيقتها و أبعادها؛ رصد مكامن مساوئها و مضارها على المدى المتوسط، و خطورتها على المدى البعيد "نسبيا"؛ تحديد مواطن ضعفها أمام مد الانقلاب والتحرر الذاتي من قوالب الماضي الضيقة و الجامدة سبيلا لدعم هذا المد إلى غاية الدولة الدستورية القائمة على أسس الديمقراطية المكينة. و مع أن مجتمعنا الحديث العهد بمفهوم "المحاصصة" - كما هو معروف و متداول في بلدان عديدة حول العالم - لا يزال سالما نسبيا من الطائفية الدينية، الشديدة التأثير على السلم المجتمعي لشدة حساسية و رسوخ أسسها "المعتقدية"، حيث أن المعتقد في البلاد واحد و المذهب مشترك على الرغم من تعدد الطرق التي بدأت، منذ أصبح الاحتكاك واقعا بفعل المدنية، تلقي بظلالها بما تشف عنه من فوارق بدأت تطفو، على التعايش مع بروز خلافات في السلوك و في أداء بعض العبادات؛ و هي الظلال التي بدأت أيضا تنغص بين الفينة و الأخرى مسلكا اتسم على العموم بالاعتدال و قبول الآخر في ظل ثوابت الدين المشتركة. و لئن عنت "المحاصصة" الطائفية و الإثنية و غيرهما، بعيدا عنا، تقسيم السلطات والمنافع وفق نظام يتناسب والمجتمعات ذات العناصر المتعددة الأجناس و المذاهب المتباينة، فإنها عندنا ما زالت مبصومة بالخجل الشديد و مقيدة بافتقاد عوامل نجاحها بسرعة كما هو الحال في تلك البلدان. و لكن الفكرة و متطلباتها تنمو شيئا فشيئا تحت وطأة التحولات التي تحملها من حين لآخر رياح العولمة و تسوقها أدواتها العاتية. و ما التنظيمات ذات الطابع الحقوقي في جولاتها الاستعراضية و النزعات العرقية التي تأخذ في تظاهراتها من حين لآخر ملامح شتى و طابع المطالبة بحصص أكبر في السلطة و المنافع، إلا كلها ملمحا متقدما من تأكيد هذه الظاهرة و التي إن كانت هي بهذا الوجه تكتسي صبغة "الغياب" إلا أنها حاضرة في الواقع منذ فجر الاستقلال في بداية ستينات القرن المنصرم و في كل مراحل الدولة المدنية و العسكرية مع غياب ضمني تام للإعلان عنها إلى درجة إنكارها عمليا و تغييبها عن الذهنية العامة. و نظرا للتحولات العميقة التي يشهدها المجتمع الموريتاني القبلي، الإثني و الطبقي فقد بات من الضروري التكيف مع متطلبات الحداثة و التحلي بالشجاعة الأدبية لمواجهة الإصلاح و ارتسام المنهج الملائم للدولة في أبعادها الجديدة. و هل تصلح "المحاصصة" لأن تقدم أشواطا في هذا الاتجاه أم أن البديل موجود و السبل و الوسائل إليه متاحة تنتظر أن تدخل قيد التجربة و التطبيق على أرض الواقع ضمن وعي متجدد و متحرر من عوائق و ضعف العقد؟ إن فكرة المحاصصة قديمة لم يقترحها مفكر سياسي معين ولم تكن مبادرة من حزب ما في دولة محددة وإنما هي ضرورة موضوعية أفرزتها عملية التطور المادي للمجتمعات العريقة بممارساتها الديمقراطية منذ عقود من الزمن. و المحاصصة هي، من زاوية أخرى، عملية تقسيم السلطة إلى مكونات صغيرة حسب استحقاقات الأطراف المشاركة في العملية السياسية. و لكي تنجح المحاصصة يشترط مشاركة كل مكونات المجتمع بمعنى آخر هي عملية توزيع المناصب و الوظائف القيادية و التنفيذية في الدولة بين الفرقاء السياسيين على أساس أن تكون حصة كل طرف وفقا لقوته السياسية أو البرلمانية إن وجد برلمان يفي بمتطلبات و التزامات الديمقراطية. وقد ساهم نهج المحاصصة بدور فعال في بناء المجتمعات الحضارية العصرية المتمدنة ومنها الهندية حتى قهرت الفوارق و الأوربية التي رسختها مبدأ بقوانين وأحكام في دستور كل بلد من بلدانها. و قد ارتقى مبدأ المحاصصة هذا عند الأوربيين إلى غاية عتبة دستور الاتحاد الأوروبي الذي يحدد آلياتها بين دول الاتحاد يجمعهم هدف سامي يتجسد في توفير حياة أفضل وضمان المستقبل الزاهي للأجيال اللاحقة في عموم القارة . و في المجال السياسي تحديدا فإن جميع أحزاب الدول الأوربية ، الكبيرة منها والصغيرة ، تؤمن بالمحاصصة و تثقف المنتسبين إليها حول أهميتها وضرورة الالتزام بها وآليات تطبيقها حيث أصبحت ثقافة جماهيرية تشكل احد أركان القيم الخلقية للمواطن باعتبارها أنجع أسلوب وأفضل علاقة تجمع بين الأحزاب الوطنية المتآلفة والمتنافسة في نفس الوقت ضمن موسوعة جدلية تكاملية وبقاسم مشترك محوره المصلحة العليا للوطن والشعب. فهل يخطوا سياسيونا و مثقفونا عتبة الجمود و يعتلوا منبر الحوار ليرتقوا بأفكارهم إلى المكاشفة دون "المحذورات الواهية" إلى مستوى التنظير البناء لصنع الوطن الذي يوفر الأمن و الأمان و يكفل الحقوق في رحاب الدين المنقى من الشوائب المستظل بالعدل و تحت قبة الديمقراطية الانسيابية، و إن اقتضت ضرورية المرحلة الأخذ بالمحاصصة نهجا ينصف بإعطاء الكل نصيبه موفى بعيدا عن الحُصَاص* منقلبا. في أعقاب كل تعديل وزاري أو تشكيل حكومة جديدة، ومنذ أن كانت موريتانيا، تتردد على الألسنة داخل كل "الصالونات" و غيرها من الأماكن و في كل المواقف و المحادثات أسئلة من قبيل: · إلى أية قبيلة ينتمي الوزير أو الوالي فلان و ما هو عرق الحاكم أو المدير أو السفيرعلان؟ · كم عدد المنحدرين من الطائفة أو الإثنية الفولانية أو الطبقة العلانية ؟ و تأتي الردود على عفويتها المصطنعة و تقبلها التلقائي في غياب شبه تام لمفهوم الدولة الدستورية التي يغلب عليها مضمون المواطنة و تنتفي فيها القسمة ذات الطابع الطائفي و "المحاصصة" على الأسس القبلية و العرقية و الطبقية. حقيقة يزيدها مرارة ما يظهر الواقع من نفيها و سد الأبواب أمام المكاشفة و التحاور و المصارحة بشأنها و تبادل الآراء النيرة حول: حقيقتها و أبعادها؛ رصد مكامن مساوئها و مضارها على المدى المتوسط، و خطورتها على المدى البعيد "نسبيا"؛ تحديد مواطن ضعفها أمام مد الانقلاب والتحرر الذاتي من قوالب الماضي الضيقة و الجامدة سبيلا لدعم هذا المد إلى غاية الدولة الدستورية القائمة على أسس الديمقراطية المكينة. و مع أن مجتمعنا الحديث العهد بمفهوم "المحاصصة" - كما هو معروف و متداول في بلدان عديدة حول العالم - لا يزال سالما نسبيا من الطائفية الدينية، الشديدة التأثير على السلم المجتمعي لشدة حساسية و رسوخ أسسها "المعتقدية"، حيث أن المعتقد في البلاد واحد و المذهب مشترك على الرغم من تعدد الطرق التي بدأت، منذ أصبح الاحتكاك واقعا بفعل المدنية، تلقي بظلالها بما تشف عنه من فوارق بدأت تطفو، على التعايش مع بروز خلافات في السلوك و في أداء بعض العبادات؛ و هي الظلال التي بدأت أيضا تنغص بين الفينة و الأخرى مسلكا اتسم على العموم بالاعتدال و قبول الآخر في ظل ثوابت الدين المشتركة. و لئن عنت "المحاصصة" الطائفية و الإثنية و غيرهما، بعيدا عنا، تقسيم السلطات والمنافع وفق نظام يتناسب والمجتمعات ذات العناصر المتعددة الأجناس و المذاهب المتباينة، فإنها عندنا ما زالت مبصومة بالخجل الشديد و مقيدة بافتقاد عوامل نجاحها بسرعة كما هو الحال في تلك البلدان. و لكن الفكرة و متطلباتها تنمو شيئا فشيئا تحت وطأة التحولات التي تحملها من حين لآخر رياح العولمة و تسوقها أدواتها العاتية. و ما التنظيمات ذات الطابع الحقوقي في جولاتها الاستعراضية و النزعات العرقية التي تأخذ في تظاهراتها من حين لآخر ملامح شتى و طابع المطالبة بحصص أكبر في السلطة و المنافع، إلا كلها ملمحا متقدما من تأكيد هذه الظاهرة و التي إن كانت هي بهذا الوجه تكتسي صبغة "الغياب" إلا أنها حاضرة في الواقع منذ فجر الاستقلال في بداية ستينات القرن المنصرم و في كل مراحل الدولة المدنية و العسكرية مع غياب ضمني تام للإعلان عنها إلى درجة إنكارها عمليا و تغييبها عن الذهنية العامة. و نظرا للتحولات العميقة التي يشهدها المجتمع الموريتاني القبلي، الإثني و الطبقي فقد بات من الضروري التكيف مع متطلبات الحداثة و التحلي بالشجاعة الأدبية لمواجهة الإصلاح و ارتسام المنهج الملائم للدولة في أبعادها الجديدة. و هل تصلح "المحاصصة" لأن تقدم أشواطا في هذا الاتجاه أم أن البديل موجود و السبل و الوسائل إليه متاحة تنتظر أن تدخل قيد التجربة و التطبيق على أرض الواقع ضمن وعي متجدد و متحرر من عوائق و ضعف العقد؟ إن فكرة المحاصصة قديمة لم يقترحها مفكر سياسي معين ولم تكن مبادرة من حزب ما في دولة محددة وإنما هي ضرورة موضوعية أفرزتها عملية التطور المادي للمجتمعات العريقة بممارساتها الديمقراطية منذ عقود من الزمن. و المحاصصة هي، من زاوية أخرى، عملية تقسيم السلطة إلى مكونات صغيرة حسب استحقاقات الأطراف المشاركة في العملية السياسية. و لكي تنجح المحاصصة يشترط مشاركة كل مكونات المجتمع بمعنى آخر هي عملية توزيع المناصب و الوظائف القيادية و التنفيذية في الدولة بين الفرقاء السياسيين على أساس أن تكون حصة كل طرف وفقا لقوته السياسية أو البرلمانية إن وجد برلمان يفي بمتطلبات و التزامات الديمقراطية. وقد ساهم نهج المحاصصة بدور فعال في بناء المجتمعات الحضارية العصرية المتمدنة ومنها الهندية حتى قهرت الفوارق و الأوربية التي رسختها مبدأ بقوانين وأحكام في دستور كل بلد من بلدانها. و قد ارتقى مبدأ المحاصصة هذا عند الأوربيين إلى غاية عتبة دستور الاتحاد الأوروبي الذي يحدد آلياتها بين دول الاتحاد يجمعهم هدف سامي يتجسد في توفير حياة أفضل وضمان المستقبل الزاهي للأجيال اللاحقة في عموم القارة . و في المجال السياسي تحديدا فإن جميع أحزاب الدول الأوربية ، الكبيرة منها والصغيرة ، تؤمن بالمحاصصة و تثقف المنتسبين إليها حول أهميتها وضرورة الالتزام بها وآليات تطبيقها حيث أصبحت ثقافة جماهيرية تشكل احد أركان القيم الخلقية للمواطن باعتبارها أنجع أسلوب وأفضل علاقة تجمع بين الأحزاب الوطنية المتآلفة والمتنافسة في نفس الوقت ضمن موسوعة جدلية تكاملية وبقاسم مشترك محوره المصلحة العليا للوطن والشعب. فهل يخطوا سياسيونا و مثقفونا عتبة الجمود و يعتلوا منبر الحوار ليرتقوا بأفكارهم إلى المكاشفة دون "المحذورات الواهية" إلى مستوى التنظير البناء لصنع الوطن الذي يوفر الأمن و الأمان و يكفل الحقوق في رحاب الدين المنقى من الشوائب المستظل بالعدل و تحت قبة الديمقراطية الانسيابية، و إن اقتضت ضرورية المرحلة الأخذ بالمحاصصة نهجا ينصف بإعطاء الكل نصيبه موفى بعيدا عن الحُصَاص* منقلبا.
|