يرتبط مفهوم الحرباء في الثقافة العربية بالمكر والخداع وارتداء الأقنعة
المزيفة للتكيف مع المحيط مهما كانت طبيعته.. والحرباء في
الأصل حيوان حباه الله بخاصية تغيير الألوان لتواري عن الأنظار والى جانب هذه الحقيقة يعتمد الحرباء على لغة الألوان كما يستخدم الإنسان تماما لغة الكلمات لقضاء حاجته وإرسال رسائله بكل لغات أهل الأرض إلى من يهمه الأمر "ولله الأمر من قبل ومن بعد" إذا مفهوم الحرباء هنا للدلالة على المكر والخداع ويأخذ المفهوم دلالة عميقة إذا كان المتصف بهذه الصفات إنسان .
لقد وقعت على مقال لوزير سابق في موريتانيا يدعو فيه إلى تدخل أجنبي في البلاد ويحرض الشعب الموريتاني المسالم على استخدام العنف لتخلص من نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز .. وحتى لايقال أني حرفت مقال الوزير عن مساره أنقل للقارئ الكريم ماورد في الفقرة الأخيرة من المقال "ولن يتأتى لنا ذلك مالم يكن هناك ضغط مستمر وقوى على حكومة ولد عبد العزيز ، ضغط من أعلى بواسطة المجتمع الدولي ،، وضغط من أسفل بتعبئة الشباب والنزول الى الشارع وتقديم التضحيات قربانا للحرية والكرامة وبناء دولة جديدة" انتهى كلام الوزير. "
لن يخفي على أي وطني في المعارضة أو الموالاة الدعوة البائسة الملفوفة في خاصرة مقال ظاهره سياسي وباطنه فيه من المكر والخداع ما لا تستطيع نساء بني إسرائيل حمله في أرحامهن .. تماما كما تفعل الحرباء برسائلها الخادعة للعين حين تريد تضليل الناظر إليها ..
تألمت وأنا أقرأ لشخصية كانت تحمل حقيبة سيادية في الدولة الموريتانية ذات يوم ما وقفت عليه من زيف بعض النخبة الموريتانية حين يدفعها اليأس وحب الاستئثار إلى تقديم مغالطات لرأي العام الوطني محاولين استغلال هامش فضاء الحرية التي ينعم بها الشعب الموريتاني ـ وهو محسود عليها من كثيرين ـ لتمرير خطابا تهم وتقديم صورة سوداوية لما حققته البلاد خلال السنوات القليلة الماضية والغريب في الأمر أن ذات النخبة هي من ضيعت عقودا من عمر الدولة في النهب وتحقيق الثراء الفاحش على حساب الفقراء والشباب المحترقين بجحيم البطالة .
ويحق لنا أن نتسائل اليوم عن ماهية دلالة هذه الرسائل وهل تشرع الديمقراطية التطاول على الأمن القومي والسعي إلى تخريب البلاد بحجة إبعاد المؤسسة العسكرية عن المشهد السياسي ..؟
للإجابة على هذه التساؤلات ينبغي علينا أن نقوم بعملية غربلة مسار الدولة الموريتانية منذ تبني العملية الديمقراطية وحتى اليوم حيث عاشت البلاد عقدين من الزمن توهم نفسها بديمقراطية زائفة كان سدنتها من النخبة السياسية الفاشلة في كلى الجناحين" نظامين ومعارضين" ، وأنتجت تلك الحقبة طبقة من الفاسدين الذين لاؤمنون بوطن وليس في قلوبهم مكان للوطنية وكان همهم الوحيد اختلاس المال العام وتوطيد الجهوية والمحسوبية على حساب الدولة والكفاءات التي تم رميها في زبالة سلة المهملات وفي تلك الحقبة بالتحديد عاش الوطن أحلك أيامه حيث تم إفساد الاقتصاد الوطني وتدجين النخبة المثقفة وتقليص هامش الحريات الفردية والجماعية والأخطر من هذا كله إفساد المؤسسة العسكرية وجعلها مجرد دمى لاتملك سلاحا ولا ذخيرة وارتفعت مستويات البطالة في صفوف الشباب والشيوخ وأفلست المؤسسات المالية لدولة وأصبح رزق العباد إما في يد وزراء فاسدين أو رجال أعمال مرتشين وفي ظل ظروف كهذه كان لابد من القيام بإصلاح في البلاد أنتج في نهاية النفق أمل الأمة وأحلام الفقراء والمستضعفين
حيث أبصرت عيون الشعب الموريتاني الأمل في انتخابات الثامن عشر من يوليو ألفين وتسعة حين أتت صناديق الاقتراع بالرئيس محمد ولد عبد العزيز وقد شكل ذلك التاريخ بداية القطيعة مع عقود من الزمن ضاعت من عمر الدولة الموريتانية مترنحة بين فساد الأنظمة ونفاق الطبقة السياسية واستقالة النخبة المثقفة عن دورها المحوري في توجيه سفينة الأمة إلى شاطئ النجاة واكتفائها بسياسة "النعامة" والوقوف في الطابور الخامس في انتظار حصتها.
واليوم يحاول بعض تلك النخبة البائسة العودة إلى المشهد الوطني عبر النوافذ والأنفاق مستخدمين ما أتيح لهم من الوسائل المشروعة وغيرها غير مدركين لحقيقة نهاية تلك المرحلة إلى غير رجعة وهنا يتعين علينا كوطنين أن نقف في وجه تلك الإدعاءات الزائفة والباطلة حتى لا يتعكر مشروع الإصلاح الوطني الذي يخشاه المفسدون .
لقد وجه الوزير نداء لأحزاب المعارضة من أجل توحيد مرشحها للإنتخابات الرئاسية القادمة وذات الدعوة نوجهها لهم جميعا حتى يتبين لهم زيف دعواهم بامتلاك أغلبية أصوات الشعب الموريتاني .
وفي المقابل قدم الوزير مغالطات لرأي العام الوطني حيث وصف حكومة ولد عبد العزيز بالفاشل في تسير حي شعبي وفي هذا السياق لا مناص من تقديم بعض الأرقام علها تكون أكثر تأثير في حرق نفوس المفسدين ، لقد حققت الحكومة الموريتانية خلال الأربع سنوات الماضية ما لم تحققه الحكومات موريتانيا مجتمعة منذ الاستقلال ، حيث شهد قطاع التنمية الريفية نقلة نوعية مكنت من استصلاح عشرات الآلاف من الهكتارات وتوزيعها على المزارعين الصغار بغية تمكين المواطن البسيط من كسب غوته على أرضه وتم تعزيز الثروة الحيوانية من خلال إعادة هيكلة القطاع وتقديم الدراسات في مجال تحسين السلالات وإقامة مصانع اللحوم والألبان .
وفي قطاع الصيد حققت البلاد الأول مرة انتصارا على الشركاء الاوبين من خلال توقيع اتفاقية الصيد في المياه الوطنية بعد سنة من المفاوضات عكست إصرار الحكومة على تحقيق مطالب الصيادين وخدمة الاقتصاد والوطني ، وفي القطاع المعدني جلبت الحكومة استثمارات بمليارات الدولار مما أسهم في امتصاص البطالة والدفع بعجلة التنمية الوطنية وفي مجال قطاع الخدمات تم بناء عشرات المستشفيات وتزويدها بالمعدات الضرورية بعد أن كان القطاع يحتضر بفعل الفساد والمفسدين وفي مجال التعليم وضعت الحكومة سياسة قوية ترمي إلى إصلاح القطاع بشكل يضمن لمواردنا البشرية الحصول على التكوين المناسب في عالم أصبح رأس ماله الكادر البشري وفي هذا الصدد تم إنشاء العديد من مدارس التكوين والمعاهد المختص في العلوم والتكنولوجيا وتم بناء جامعة عصرية تستجيب للنظم والمعاير الدولية للجامعات كما تم إنشاء مدرسة للمعادن لنظرا لحاجة البلاد لمثل هذه التخصصات ، وفي القطاع المالي والمصرفي تطور القطاع بشاهدة المؤسسات الدولية وامتلك البنك المركزي الموريتاني احتياطيات من العملة الصعبة ناهزت مليار دولا لأول مرة في تاريخ البلاد .
غير أن هذه الحقائق هي ما يزعج المعارضين ومن والاهم ويحق لنا أن نقول لهم بكل ثقة أن مشروع الإصلاح لن يتوقف مهما كلف الأمر.. ونقول لهم أيضا أنها بضعة أشهر وتموت الحرباء كمدا.. وستكون مواصفات الرئيس القادم هي الوطنية وحب الفقراء والعمل على تحقيق مشروع التغيير البناء.
|