معبود الجماهير فلنتاينز دي
الجمعة, 14 فبراير 2014 13:22

على طرف من أطراف باريز (Paris) مدينة الرومانسية كما يسمونها حيث المتاحف والمسارح، ودور السينما، والمقاهي والمطاعم الفاخرة المفعمة بروائح أشهى الأطباق، ألمح من شرفة شقتي على نهر السين من وراء نافذتي المبللة، زخات مطر تتساقط بين الفينة والأخرى، نحن

في شهر شباط والليلة هي ليلة ١٤ بكل ما تعنيه هذه الكلمة لمن هنا، في هذه النقطة من الزمن، على هذه الرقعة الجغرافية، في ضاحية من ضواحي باريز على ضفة نهر السين، وحيث الأوراق تملأ الممرات المزينة بأشجار عملاقة ومصابيح، يحسبها الناظر شموعا تتلألأ تحت قطرات المطر.

في هذه الليلة في هذا المكان حيث يغبطني كثر على تواجدي في هذه اللحظة في مكاني هذا من زماننا هذا، وأنا أبادلهم من سجني هذا نفس الشعور، وحيث بكل لا مبالات أمسك الكنترول شاغلا نفسي عن نفسي، وفي حالة من اللا إحساس بالزمن، ألمح تارة التلفاز، وألمح شاشة هاتفي تارات أخرى، علّ فيبر يأتيني بخبر من شغل النفس وشغف القلب و تربع في فؤادي على عرش الهوى.

تعالوا بنا أعزائي نلقي نظرة في حقب الزمان، لنستطلع معا فقرة من تاريخ الإغريق، فتلفازي لا يلهني، و هاتفي خيمت عليه ظلمة لا تنبئ بقرب وصال، تعالوا بنا إلى روما الإنتيكية إلى نقطة بعيدة من تاريخهم، قبل مولد المسيح عليه السلام، لنبحث معا حقيقة ما ألصق بهذه الليلة من تزييف أهل الهوى، وإدعاء من جعلوا منها خرافة بحجم القداسة.

 

تعالوا بنا نشهد على تاريخهم، ونشهد على أنفسنا على إتباع مللهم، تعالوا بنا نكشف المستور، ونسقط القناع الأحمر المزين بورود الياسمين، ففي تلكم المدينة إدعى الإغريق أن هذه الليلة مقدسة وترمز للحب، ذلك أنها تواكب الليلة التي عقد فيها قران "زيوس" على معشوقته "هيرا" وهم إخوة، وفي الميتيولوجيا يعتبران إلهين نسأل الله السلامة، كل القصة أن شاذاً تزوج من أخته، فسجل المدونون الإغريق في ذلك العصر تاريخ هذا الشذوذ على أنه مقدس، وهو ما إن دل على شيء، فإنما يدل على ما وصلت له تلك الحضارة من الإنحلال الخلقي، فربطت الكنيسة على عادتها في البحث عن كل ما هو رنان، سواءا كان تاريخيا أو تجاريا بإستغلاله في دعاياتها لتطريز هذا الدين، الذي حرف وبدل، حتى أصبحت قصص الشواذ مصدرا من مصادر تشريعاته وإلهاماته، وعنوانا من عناوينه التي قل من سلم من إتباعها بإسم الحب، فسمت هذا اليوم على إسم أحد قساوستها، الذين تمردوا على حياة الرهبانية التي تفرضهاهي على منتسبيها بإسم الدين زورا و بهتانا، لا لخصوصية في خلقه، ولا لإنجاز في علم، كلما في الأمر أنه رجل إتبع نداء الفطرة السوية، فتزوج من محبوبته، فجعلوا من فعله خصوصية أخلدته في كتب المزيفين. وهكذا على سنفونية مزيفة ترقص اليوم موريتانيا والأمة على نغماتها، والأمر لا يدعوا إلى الإستغراب إذا ما خبرت هذا الشعب الذي جفت موارد مشاعره، حيث للتقاليد في هذا الصدد إملاءاتها، خرج جيل متعطش لكل ماهر مختلف، ومواكبة لمسار العولمة الذي ركبته موريتانيا بلا دروع حضارتها، تلك الحضارة التي حملت مشاعل العلم إلى إفريقيا جنوب الصحراء والعالم الإسلامي ككل.

 

فتوشك الأجيال أن تضيع هذا الإرث بعد أن ضيعناه وضيعناهم معه. في هذه اللحظات رن جرس هاتفي ليأخذني من بين طيات أساطير الإغريق، وقصصهم، ويعود بي إلى حيث الأنوار وزخات المطر، وحيث النهر و ورق الشجر، حيث أعتاب و منازل وأشياء أخر، حيث من شرفتي تفاعلت هذه الأشياء في أبهى الصور، فأسترسلت لأتفحص هاتفي وأرى من الطارق؟

ومن عساه يكون غير من يسافر بي عبر الأثير، إلى مدينتي الحبيبة أنواكشوط، إلى حيث يظهر القمر، إلى تلة حيث مسكني، إلى حيث يحلو السفر، تاركا ورائي أضواءكم، وأشجاركم، ونهركم، حتى شرفتي أتركها لكم.

 

المهندس عبدالمجيد ولد البخاري