سيرك انتخابي عربي: السخرية والترويع/رأي القدس |
الأربعاء, 30 أبريل 2014 17:17 |
منذ أكثر من ستين نكبة وكارثة ونازلة يسمع المواطنون العرب في بلدانهم عن وجود شيء إسمه انتخابات، فيشاهدون وسائل الاعلام تدق صنجات وطبول مدائحها، معتبرة استفتاءات الـ 99 بالمئة أعراساً ديمقراطية. يحضر الضيوف وتوزع ‘الشربات’ ويقدم ‘أحباب العريس′ الهدايا له وتسلط الأضواء عليه ليلقي خطابه الذي لن يتذكره أحد، ثم ينفضّ السامر وتغلق بوابات المعتقلات الكبيرة المسماة بلداناً على المواطنين الذين اغتصب الطغاة أصواتهم فيما يهمد نعيق خطباء التلفزيون والراديو ويذوب حبر الجرائد ويعود المسؤولون والسجانون والمخبرون الى زوجاتهم واطفالهم فرحين. لسبب ما حصلت تغييرات على هذا المشهد في انتخابات العرب الحالية، فلعلّ الثورات التي زلزلت الأرض تحت أقدام الزعماء العرب جعلتهم يفكّرون قليلاً قبل بثّ وقائع لعبتهم القديمة المضجرة وعليه فقد قرّروا إضافة فقرتين على السيرك الانتخابي: السخرية والترويع. من أبواب السخرية أن يتقدّم للانتخابات أشخاص من طينة المهرجين الذين يستغلون برامج مثل ‘عرب لديهم مواهب’ و’سوبر ستار العرب’ للحصول على شهرة خمس دقائق او لإضحاك الناس عليهم او لأسباب أخرى علمها في بطن أجهزة المخابرات. ومن أبوابها أيضاً أن لا يستطيع زعيم المعارضة، كما إياد علاوي في العراق، الحصول على بطاقة انتخابية فيضطر للسفر الى بلد آخر للتصويت، وأن يصوّت الرئيس جلال الطالباني المحتجب عجّل الله ظهوره – في برلين، وأن يتغلّب رئيس الجزائر على خصوم ثلاثة: ملاك الموت والإعاقة وعلي بن فليس، بالضربة الانتخابية القاضية، وأن يتصارع الرئيس السوري بشار الأسد مصارعة غير حرّة مع 10 منافسين دفعة واحدة (بينهم امرأة ومسيحي كما أحبّت وسائل الاعلام أن تؤكد) ثم يطلّ بطلعته الوسيمة على المذبحة المفتوحة التي يرأسها فخامته ليبشر بـ ‘اول انتخابات في تاريخ سوريا الحديث’! تلبّي السخرية حاجة الطغاة الى تقديم الفرجة والتسلية للناس، من جهة، واستصغار شأن مواطنيهم ومد اللسان الى العالم وازدراء فكرة الانتخابات نفسها، من جهة أخرى، فالمستبد يكره فكرة تنافسه مع جنس أدنى منه، ولكن ما دام العالم ووسائل الإعلام يريدان ذلك فليكن بهذه الطريقة التي تؤكد المؤكد: كراهية الدكتاتور لما يقيّد يده ولسانه وخياله الخصب في الإجرام. أما بطش ‘المرشحين’ بناخبيهم فيدخل في الفقرة الثانية المضافة على عرس الانتخابات: الترويع. كلّما كان المرشح مقاوماً وممانعاً ومواجهاً للامبريالية كلّما زادت حدة البطش، فعقاب الجماهير الرجعية والتكفيرية التي تغلّ يد القائد عن مواجهة أعداء الأمة وممانعتهم ومقاومتهم تسليط الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة عليها ودكّ مدنها وتجويع أهلها وتهجيرهم ومطاردتهم، لو أمكن، خارج الحدود أيضاً. أما إذا كان المرشح ‘ديمقراطياً’ فهو مضطرّ، أثناء أدائه وصلة الترويع، أن يقلّد المرشح المقاوم بجرعات صغيرة، وهكذا شاهدنا نوري المالكي يخوض حرباً معدّلة (مقارنة بحروب الأسد) ضد الفلوجة، ويستخدم بتواضع وحياء يحسبان له، الغارات الجوية والمدافع والدبابات وبرميلا متفجرا واحدا على سبيل ‘التجربة’، ثم يجتاز الحدود العراقية – السورية ويقصف زملاءه ‘الإرهابيين’ الذين اطلق سراحهم قبل شهور. في مصر، وبعد فضّ الاعتصامات الدمويّ الذي دشّن ‘ثورة 30 يونيو’، وقوننة ملاحقة الخصوم السياسيين من الإخوان المسلمين تحت مسمّى الإرهاب، جاء دور القضاء ‘المستعجل’ الذي لا وقت لديه لمراجعة الحقائق والوقائع وإضاعة الوقت بالتدقيق في وجود المتهمين على قيد الحياة قبل الحكم عليهم بالموت، او سماع مرافعات المحامين وثرثراتهم، فكلّ هذه شكليّات لا وزن لها والنتيجة أحكام إعدام بالجملة لمئات من البشر. بالسخرية يتسلّى الحاكم بالمحكومين ويسلّيهم، وبالترويع يذكرهم بجبروته الذي لا مثيل لبشاعته، وبين الكوميديا وأفلام الرعب يُزفّ الرئيس الى شعبه في عرس الديمقراطية العربية الفريدة. |