أفريقيا الوسطى… معركة الماس والطائفية/حلمي شعراوي
الخميس, 06 مارس 2014 22:32

حلمي-شعراويتتبرع مصادر إعلامية عديدة بسرعة الإعلان عن القتال والصراع العرقي أو الطائفي في موقع أفريقي أو آخر، بمجرد انطلاقه هنا أو هنالك، ويؤدي ذلك مباشرة إلى جذب الانتباه عن الأسباب الرئيسية الراسخة في اقتتال قوى دولية حول الثروات الكامنة، ليس فقط البترول

الذي أدت ألفة الحديث عنه إلى تجاوزه أحياناً، وإنما هناك الماس واليورانيوم والذهب، بما يكاد يفوق معارك البترول نفسه.

كان الماس مثلاً لعقود وراء القتال في أنجولا وقوة تمرد مهربيه حتى مقتل «سافمبي» (زعيمهم وزعيم «يونيتا») شرقي البلاد 2002، وكان الماس والذهب شرقي الكونجو وفي «كاتنجا» مشكلة أيضاً، حتى أُطيح بسببه «بموبوتو» 1997، وقُتل «لوران كابيل» في كينشاسا 2001، وظل القتال في المنطقة الكونجولية الشرقية والجنوبية حتى الآن. وهاهو القتال الذي بدأ في مالي بسبب اليورانيوم والبترول يمتد دموياً في «أفريقيا الوسطى».. وفي الأخيرة خاصة من أجل الماس، وإنْ لم يخف أثر اليورانيوم والذهب.

 

ليس مثيراً إذن أن يرصد «بول كوليير» أحد باحثي البنك الدولي في دراسة له عام 2000 حوالى 47 صراعاً في العالم، يرجع أسبابها إلى الصراع حول المعادن الاستراتيجية وليس «العرق أو التاريخ» على حد تعبيره، وأظنه يقصد التاريخ الاجتماعي الذي يعني الآن «الطائفية الدينية». والمؤسف أن كثيراً من تنظيماتنا الدينية، أو باحثينا التقليديين يسارعون بتركيز البحث عن هذه الأبعاد – وحدها تقريباً- لينطلق التعبير عن المشاكل الدينية بين مسيحيين ومسلمين من ناحية، أو أنثروبولوجيا العرقية والتراثية والطائفية من ناحية أخرى. وأبسط ما قرأناه عن تطورات الاقتتال في «أفريقيا الوسطى»، خلال عام واحد – خلال الفترة من مارس 2013 إلى مارس 2014، هو صراخ الطائفية عن (اقتتال المسلمين والمسيحيين) من مختلف المصادر، من الفاتيكان إلى «طالبان»، ففي فترة تقوم مصادر الأنباء في الأمم المتحدة وحقوق الإنسان والصحف الأميركية والأوروبية – لترصد بقوة طوال 2013 عدوان المسلمين من الشمال، وهم الأقلية الزاحفة للعاصمة في «أفريقيا الوسطى» (15-20% من السكان) على المسيحيين وآخرين من الأغلبية التاريخية خوفاً من السيطرة الكاملة للمسلمين على تعدين الماس وتجارته، ثم يأتي انقلاب يناير 2013 /لصالح المسيحيين، فترصد المصادر نفسها العدوان الشامل على المسلمين من قبل المنتصرين الجدد، ولا تتردد المصادر نفسها تقريباً عن تصوير الوحشية المسيحية ضد المسلمين، متوحشي الأمس! وكل ذلك لتبرير حضور وتدخلات صريحة طوال الوقت من قوات فرنسا ودول أفريقية أخرى مساعدة لمصلحة هذا أو ذاك، وبهدف أساسي هو حماية تجارة الماس التي تشرف عليها شركات عالمية كبيرة من أنحاء العالم ومناجمه في شمال البلاد.

وليست مناجم الماس في شمال «أفريقيا الوسطى» وضرورة تنظيم السيطرة عليها أو حمايتها بعيدة عن الاتفاقية الموقعة عام 2000 بين بلدان جنوبي أفريقيا أساساً (في كمبرلي) ثم بحضور قوي لدول التجارة الكبرى في الماس (من تل أبيب والهند وبلجيكا والصين) لضبط تجارة الماس العالمية وأسواقها الكبرى!

فالمشكلة بالأساس دولية، إذ إن قواعد اتفاق «كمبرلي» بشأن تنسيق تجارة الماس، تقتضي من كل العاملين في تجارته أن يحملوا من المصدر التعديني شهادة تثبت التعامل الشرعي فيه، حتى لا يقوم مهربو الماس بالاتجار فيه لمصلحة تمويل تجارات أخرى كالأسلحة أو المخدرات أو الاقتتال الطائفي أو العرقي ….الخ، ما أثار خباياه، ومن ورائه تقرير «فاولر» الشهير عام 2000.

ولأن «أفريقيا الوسطى» أحد مصادر الماس منذ عقود، فإن احتمال سيطرة مهربيه في الشمال المسلم على الحكم أو اضطراب مناطق تعدينه تثير اضطراب السوق كله، لذلك، فإن تنظيم تجارة الماس في «أفريقيا الوسطى» وإخضاع حكامها لاتفاقية أو «عملية كمبرلي» الموقعة بين دول الجنوب الأفريقي خاصة (تتطلب تدخلاً مستمراً في إدارة الحكم، سواء سيطر هناك مسلمون أو مسيحيون، ولذا تريد فرنسا تحديداً إدارة الموقف والبلاد لصالحها).

 

ومن هنا كان التدخل مع المسلمين أوائل عام 2013، ليعود التدخل ضد مسلمي الشمال أواخر العام وحتى الآن. وليس وجود القوات الفرنسية في البلاد طوال فترة «بوزيزي» المسيحي (منذ 2002) إلى فترة «بوجوديا» المسلم (2012/201) بعيداً عن هذه الدائرة، ولا ننسى هنا أن إسرائيل هناك دائماً بحكم قيامها أساساً بأعمال تنقية معظم الماس وتسويقه عالمياً. وتتوافر لعملية الوجود الفرنسي مساندة من قوات أفريقية متنوعة الأهداف، باسم حفظ السلام وحماية حقوق الإنسان، قادمة من «أوغندا» لمطاردة أنصار زعيم المتمردين الأوغندي «كونى» الهارب فيها، ومن «رواندا وبوروندي» المتدربين أميركياً للعمليات الأفريقية، ومن «الكونجو» لمطاردة تجار الماس، ومن «تشاد» لحماية حدودها ومساعدة القوات الفرنسية في أفريقيا الوسطى مثلما استعملت في مالي…..بما أصبح يقترب من عشرة آلاف جندي حتى الآن!

 

من هنا يمكن انطلاق التفسير بشكل آخر لما يجري من عمليات الاقتتال والفتنة الطائفية! ففي ظل الرغبة في ضبط هذه التجارة في منطقة «أفريقيا الوسطى» حالياً، تجري تغطية الموقف بإعلام حول أحوال المسلمين أو المسيحيين وحدها. ويساعد صراخ الهيئات الإسلامية الآن من «طالبان» حتى علماء المسلمين عن اضطهاد الإسلام والمسلمين في أفريقيا في تذكير الطرف الآخر بالطبع عما جرى للمسيحيين، وما كان هناك من صراخ مماثل عن المذابح ضد المسيحيين في العاصمة نفسها، حين زحف مسلمو الشمال باسم جبهة أو ميليشيا «سيليكا» (مكونة من ثلاثة تنظيمات سياسية احتوى بعضها تجار الماس ملتحفين بقوة المسلمين أساساً)، وطاحوا عدواناً على المسيحيين في العاصمة كأقلية غازية من الشمال، ما أدى إلى تشكيل ميليشيات مسيحية مضادة حملت اسم «ضد السواطير» ‏Anti-Balaka‮ ‬،‮ ‬نتيجة‮ ‬المعاناهة ‬من‮ ‬خناجر‮ ‬أو‮ «‬سواطير‮» ‬machete‮ ‬ المسلمين‮ ‬في‮ ‬العام‮ ‬الماضي‮‮! ‬وانطلقت‮ ‬منظمات‮ ‬حقوق‮ ‬الإنسان‮ ‬وصحافة‮ ‬الغرب‮ ‬بالطبع‮ ‬وقتها‮ ‬تهاجم‮ ‬وحشية‮ ‬المسلمين،‮ ‬كما‮ ‬تهاجم‮ ‬الآن‮ ‬وحشية‮ ‬المسيحيين! ‬فما‮ ‬هو‮ ‬مصدر‮ ‬ذلك‮ ‬الخلاف‮ ‬بطابعه‮ ‬المحلي‮ ‬هذا!

 

المشكلة بالأساس تتعلق بإدارة رأس المال العالمي في تجارة الماس. وخلال العام الأخير، عقد مؤتمر عالمي في أنجولا حول الماس، وبمشاركة قوية لممثلي أسواق تل أبيب والهند وأوروبا والصين وغيرهم، وأشيع عقب المؤتمر لتأكيد مبادئ «كمبرلي» ضرورة التدخل لمنع مهربي شمال «أفريقيا الوسطى» من استغلال سلطة المسلمين في «بانجي» العاصمة منذ مارس 2013، لتصدير الماس المهرب وكأنه شرعي، فيغرق الأسواق، فضلاً عما يشار إليه عن التهريب عبر الحدود السودانية بمساعدة «الجنجاويد» ورضا التشاديين عن ذلك، ما يفتح تجارة الماس على «عوالم» أخرى في السودان نفسه!

 

ومن هنا، فإن الفتنة الطائفية ونقل الاضطهاد من الدائرة المسيحية للإسلامية، لمجرد استمرارها، كفيل بدفع مزيد من التدخل الفرنسي الذي يطالب به الجميع حالياً، حتى السفيرة الأميركية في لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة السيدة «سامانتا باور» هي التي صرحت بأن الولايات المتحدة ستنفق مائة مليون دولار لمساعدة تدخل فرنسا لوقف الصراع الدائر في أفريقيا الوسطى!

 

لذلك نقول إننا إما أن ننتبه مبكراً للأزمات الإنسانية بحق، مسلمة أو مسيحية، عرقية أو جهوية، وهي الجذور ذاتها في بلادنا بالتأكيد، أو أن ننتبه بعمق علمي وفكري أكبر لكي لا يستغل الإطار الثقافي أو الديني، غطاء لصراع نعرف أبعاده الاستغلالية أو السياسية، حتى من قوى محلية أحياناً، ونعرف الهيمنات المصلحية الكبرى من ورائه، مثل حكاية الماس في أفريقيا الوسطى، (وقتل المسلمين هناك يجري على الهوية)، بينما تتظاهر فرنسا ودول أفريقية هناك بملاحقة الجناة لتقديمهم لمحاكم حقوق الإنسان!