نحن المنعمون في الجحيم!!! |
الخميس, 14 نوفمبر 2013 20:01 |
قال لي ضابط سابق، كان ملحقا عسكريا في إحدى سفاراتنا المبجلة، كلمة متناقضة تماما كشخصية كل مسؤول في دولة فاشلة .. قال: "نحن المنعمون في الجحيم" كنت حينها لم أدرك عمق الكلمة و لا حرارة أثرها في مخارج الحروف و هي تنطق في لحظة صدق نادرا ما تتكرر، مثلها مثل أي صحوة ضمير تمر عابرة بعد دورة كاملة بالكرة الأرضية.. جلسنا أربع ساعات في مطار هواري أبومدين في الجزئر العاصمة.. كنت أستشعر اللحظة بحضرة شخصية سامية في الدولة لم أكن أعلم حينها أنه من المبعدين عن ربوع الوطن أي حسب منطقه هو: المبعدين من " عذاب الجنة" … لم أكن أعلم أن الملحق العسكري في أي سفارة هي نقمة لا نعمة، حسب أعرافنا العسكرية، و لم أكن أعلم أنها الخطوة التي تسبق التقاعد أو بوابة الخروج من المؤسسة العسكرية، كل ذلك كان غائبا عني حينها.. أعود .. تكلمنا عن التاريخ و خضنا في الجغرافيا و تسلقنا الزمن الغابر على خطوات الأجداد … و فجأت إنشقت الأرض من تحت أقدمانا و إذا بنا نخوض في الذات المقدسة للدولة العميقة و كأننا نهذي … قلت له كم نحن جبناء لنقبل نطام العقيد واحدا و عشرون عاما!!!… أبتسم في حزن ترسمه الملامح دون قصد أو علم مسبق من مناطق الوعي .. و ستطرد قائلا : كم نحن مدجنون و خائفون من اللا معلوم !! سكتنا لبرهة قبل أن أطرد الصمت من مجلسنا بعبارة " شعندك أتواسي" … نظر إلي و قال: أن لا تكون شريكا في خراب و أن لا تكون آلة قمع أو قيد في معصمي ضمير حر … قلت كيف؟؟؟ .. عاودته الإبتسامة الحزينة و قال : لو كنت أدري لفعلت .. ثم أطبق الصمت علينا من جديد … حاولت أن أخرج به عن الموضوع قائلا : العلاقات الموريتانية الجزائرية في تحسن بعد الإنقلاب على ولد الطايع و هذا قد ينعكس علينا كطلبة بالإجاب ؟! نظر إلي ثم رد البصر إلي حيث كان يركز في مجلة الوطن الجزائرية باللغة الفرنسية ..ثم ضم دفتي المجلة بهدوء و وضعها على الأريكة إلى جنبه ثم مسح براحتيه مساحة منبت الشعر في و جهه و ركز على منطقة الذقن و حكها بلطف رغم حلاقتها المتقنة … خلته لن يتكلم و هممت بالكلام لكنه محمح و همهم و قال: تلك هي اللعبة القادمة… قلت مذا تعني ؟؟ قال: إنهم يتفرغون للداخل، إنهم بصدد تغيير الخارطة الإقتصادية و البنية العسكرية و الصراع الإجتماعي… إنهم يهدمون عش الغراب… ظننته يبكي حسرة على نظام العقيد ولد الطايع … فسألته هل كنت تفضل أن يظل الحال على ما كان عليه ؟؟؟ … قضب حاجبيه و مط شفته و كأنه يقول في سره لماذا تحدثت أصلا مع هذا الطفل... ثم إبتسم إبتسامة مصطنعة و قال بهدوء : لا قدر الله، من يريد لموريتانيا أن تعود إلى ذلك التيه الأبدي؟! قلت و كأنني مقاطعا و هل إهتدت إلى طريقها؟؟ قال كلا و لكنها الآن كسفينة تبحث عن ربان مناسب ..و سيتبادل عليها أكثر من ربان في السنين القليلة القادمة و قد يعيدها أحدهم إلى حيث كنا بالأمس …. لم أدرك أنه يعني الفوضى و إنسداد الأفق السياسي في البلاد إلا حين قابلت سنينا بعد ذلك العديد من "المنعمين في الجحيم". من الذاكرة ------------------------------ من صفحة الصحفى سيد احمد ولد اطفيل |