نيسلون مانديلا.. محامي الحرية يرقد في سلام (بروفايل) |
الخميس, 05 ديسمبر 2013 23:44 |
أحب نيلسون مانديلا حياة الاستقلال ورفض تقييد حريته حتى ولو كلفه الأمر البقاء في السجون أكثر من 20 عامًا، فالمهم عنده كسر «العبودية والاستبداد» وأداء واجبه نحو شعبه، وبعدها يستطيع بعد رحلة حياة استمرت 95 عامًا أن «يرقد في سلام»، كما جاء في حسابه على «تويتر»، بعد إعلان نبأ وفاته، الذي جاء بعد فشل علاجه من عدوى في الرئتين، والتي تسببت في قضائه 3 أشهر في المستشفى. عملة نادرة تتميز بوجهين أحدهما يحمل صفة التواضع، والآخر يعيش بكبرياء الملوك.. هكذا يراه المقربون الذين خطفتهم شخصيته ببشرتها السوداء وملابسه الأنيقة ذات الألوان المزركشة. «دوليهلاهلا».. أو نيلسون مانديلا، المولود في 18 يوليو من 1918، اعتنق السير على مبدأ استعادة كرامة كل مواطن بغض النظر عن بشرته أو جنسه. ويحكي «مانديلا» عن اسمه الذي تعرفه به قبيلته «ثمبو»، وهو «دوليهلاهلا» ومعناه المشاغب، فيشير إلى أن أقاربه وأصدقاءه يرون سبب الزوابع التي واجهها في حياته تعود إلى اسمه الذي صنع قدره. القضية: خدمة الشعب رفع «مانديلا»، الذي ولد في قرية «مفيزو»، بمنطقة ترانسكاي، في جنوب أفريقيا، شعار «خدمة الشعب»، وأدرك منذ شبابه أن لكل إنسان قضية ولكل قضية ثمن ولكل ثمن جائزة. كانت قضية «مانديلا» التمرد من أجل قضية عامة تتلخص في إنهاء نظام «الأبارتايد»، وهو ما يعني «الفصل العنصري»، فالسلطة في بلاده كانت محتكرة من قبل أقلية كل حظوظهم في الدنيا أنهم يتمتعون ببشرة بيضاء. نظام «الأبارتايد» العنصري اعتمد على سيطرة أهل البشرة البيضاء في جنوب أفريقيا على أقرانهم من من أبناء البشرة سوداء، الذين حُرموا من حقوقهم السياسية بل والاجتماعية، فلا حق لهم في المسكن ويمكن أن تذهب ملكيتهم إلى شخص أبيض إذا أراد ذلك ولا عزاء لصاحب الحق إن كانت بشرته سوداء. حمل «مانديلا» المسؤولية منذ نعومة أظافره، فعندما وصل قطار عمره للمحطة التاسعة ترك والده الحياة، وكان عليه أن يحل محله رئيسًا لقبيلة «ثيمبو»، وفقا لتقاليد القبيلة. جنوب أفريقيا عانت في ظل نظام «الأبارتايد»، أو بالأحرى كانت المعاناة لدى أصحاب البشرة السوداء، فهم على سبيل المثال محرومون من التعليم، لكن الحظ أسعف «مانديلا» وبصحبته عدد من الأطفال ذوي البشرة السوداء بالتعليم، ليكون أول طفل من عائلته يلتحق بقطار التعليم، وأطلق معلمه اسم «نيلسون» عليه ليُعرف به حتى الممات. ثمن «النضال» «أصبحت محاميًا، وكان عملي كثيرًا ما يجعلني أشعر بأن اختياري صحيح».. كلمات يكتبها «مانديلا» في مذكراته «مسيرة طويلة نحو الحرية»، يفسر خلالها أوضاع مجتمع كان أصحاب البشرة السوداء تطاردهم الاتهامات ويعيشون المأساة في كل مكان، فالجريمة تلحق بهم إذا دخلوا من باب مخصص لذوي البشرة البيضاء، فجريمة أن تركب حافلة للبيض، وجريمة أن تسير على شاطئ للبيض، وجريمة أن تستعمل صنبورًا للمياه يملكه صاحب بشرة بيضاء. يروي «أبو الشعب» أو «بطل الأمة» رحلته مع رفاقه لهدم نظام «الأبارتايد» العنصري، فيكتب: «كانت عقيدتنا هي خلق أمة واحدة من القبائل، وإسقاط سيادة البيض، وإنشاء حكومة ديمقراطية». بدأ «مانديلا» رحلة السياسة في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، المعارض لسياسة التمييز العنصري، عام 1944، وبمرور 8 سنوات تولى مسؤولية جناح الشباب للحزب، وآنذاك افتتح أول مكتب محاماة لذوي البشرة السوداء في جنوب أفريقيا، عام 1952، وهو نفسه العام الذي أصبح فيه نائبًا لرئيس الحزب. وكان عام 1952 يحمل شعار «حملة التحدي»، التي تولى «مانديلا» رفع رايتها فطاف أرجاء أرضه السوداء يغذي لدى عقول أقرانه ضرورة التمرد على قوانين التمييز العنصري، فيأتي رد الحكومة البيضاء بمنعه من مغادرة «جوهانسبرج» لمدة 6 أشهر. قاوم «مانديلا» الفصل العنصري بين أبناء وطن واحد بنضال سلمي، على نهج «غاندي» في الهند، تعلم شجاعة لا تعرف الانتصار إلا بهزيمة الخوف، أدرك لغة التضحية من أجل قضية فكان عليه أن يدفع الثمن بداية من الستينيات في القرن الماضي، حيث تعرض متظاهرون سلميون، خرجوا إلى الميادين اعتراضًا على العنصرية، للقتل بسبب بطش الدولة، الذي حصد أرواح العشرات. هنا تحولت دفة السلمية لدى «مانديلا» فقرر اللجوء للسلاح وأصبح رئيسًا للجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وثارت زوبعة في جنوب أفريقيا نتج بعدها حكم بالسجن 5 سنوات، بتهمة التدبير للإضراب والسفر غير القانوني، ليبدأ دفع ثمن القضية، التي يكافح من أجلها، فيأتيه حكم آخر، عام 1964، منطوقه: «السجن مدى الحياة».. والتهمة: «خيانة عظمى، وتخطيط لعمل مسلح». لم يلق «مانديلا» بالا لحكم السجن مدى الحياة، بل وقف يحث المؤمنين بفكرته على الاستمرار في الضغط من أجل تحويلها إلى واقع حتى ولو السلاح، بينما سعت السلطة لتشديد قبضتها عليها بتعذيبه داخل السجن حتى يتوقف عن بث أحلامه في نفوس من يناصره، حيث يدعوهم إلى «مقاومة مسلحة» لـ«سحق الفصل العنصري». جائزة «مانديلا» فشلت السلطة في اضطهاد «مانديلا» فلاعبته بصك الحصول على الحرية مقابل وقف المقاومة المسلحة، عام 1985، وكان الجواب لديه: «الأمر مرفوض»، والمقبول لديه كسر عنق العنصرية وإحياء المساواة والعدل في وطنه. دخلت القوى الدولية بعد 5 سنوات على خط المعركة بين البيض والسود في جنوب أفريقيا، وهي تريد نصرة «مانديلا» ومنح قبلة الحياة له، بعدما سلبت عنصرية «الأبارتايد» حريته. لم يجد رئيس جنوب أفريقيا، فريدريك وليام دي كليرك، سوى حل وحيد في يده مؤداه أن يفرج عن «مانديلا»، لإعلان بدء إنهاء التناحر العنصري بين البيض والسود، وخرجت جنوب أفريقيا لتستقبل المناضل الباحث عن حرية بني وطنه، فكان ثمن ما حاز عليه بعد 28 عامًا، حصوله على جائزة نوبل للسلام، عام 1993، مناصفة مع «دي كليرك». بعدها أصبحت عتبات سلم الرئاسة قريبة من أقدام «مانديلا»، سجين كافح من أجل فكرة علنًا دون مواربة وبعيدًا عن العمل السري، فيحظى بدعم شعبه، عام 1994، ويصبح أول رئيس أسود منتخب في جنوب أفريقيا ثم يودّع السياسة بعد 5 سنوات، عمل خلالها على إصلاح منظومة حكم كانت قبضة البلاد تحتكرها الأقلية ولا عزاء للأغلبية السوداء. ورفعت الولايات المتحدة اسم المناضل الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا من "قائمة الإرهابيين" عام 2008 بقرار من الرئيس السابق جورج بوش. «مانديلا» أنشأ فور وصوله للحكم لجان «الحقيقة والمصالحة» وضم إلى عضويتها المؤيدين والمعارضين لنظام «الأبارتايد»، ومهمة تلك اللجان التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، التي ارتكبت من قبل. «كان هناك شئ لا يسر، وهو أنهم رفعوني إلى منزلة المسيح».. نطق هذه الكلمات في سره وهو ينظر للألاف من أقرانه السود، الذين تجمعوا وهم ينادون اسمه بحفاوة، ويستقبلون في الوقت نفسه تعاليمه بصدر رحب، فيخشى أن ينقلب ما تراه عيناه إلى غرور يضرب قلبه، لكنه ثابت على مبدأه حتى لو أعيدت الكرّة مرة أخرى، فيقول: «اخترنا المعركة وأعيننا مفتوحة، ولم تكن لدينا أوهام أن الطريق سيكون سهلاً، وعن نفسي لن أندم أبدًا على التزامي بالمعركة». المصدر: المصري اليوم |