صراصير داعش وسقوط الغرب الأخلاقي | 28 نوفمبر

صراصير داعش وسقوط الغرب الأخلاقي

أحد, 12/06/2015 - 10:25

قبل أقل من شهر، أصاب الإرهاب مدينتي باريس. كان مائة وثلاثون من مواطنيَّ قتلى في مشاهد مألوفة لديّ (فأنا أغطي بوصفي صحافياً الصراعات منذ أكثر من عشر سنوات) لكني لم أكن أتخيل أبداً ان أراها تجري تحت نوافذي.
منذ ذلك الحين، أهدينا إلى الإرهابيين انتصارهم. ثمة شيء ساحر مع الإرهاب، هو أن النجاح الحقيقي لعملية ما لا يتوقف على الإرهابيين، بل على ضحاياهم. وقد قدمت لنا الإدارة الأمريكية مثلاً رائعاً في رد فعلها على 11 أيلول: غزو أفغانستان والعراق (الذي سيغدو مهد الدولة الإسلامية)، وفتح غوانتانامو وقانون توحيد وتعزيز أمريكا بالكشف عن الإرهاب وصدّه (Patriot act). ولابد للمرء من أن يكون كامل الغباء كي يتصور أننا عاقبنا بن لادن والقاعدة بغزونا أفغانستان والعراق. على العكس: فالنجاح الحقيقي لـ 11 أيلول، ليس انهيار برجي التجارة العالميين في نيويورك، بل غزو هذين البلدين. ذلك أن ضحية الإرهابيين هو الذي أهدى الانتصارَ إلى المُعتدي.
لنتذكر دروس انحرافات إدارة بوش ـ الجيوسياسية والأخلاقية ـ في اللحظة التي ندعى فيها إلى الردِّ على العمليات الإرهابية الأخـــــيرة وإلى مقاومة خطر الإرهاب المتفاقم. لنبدأ بطرح هذا السؤال على أنفســـنا: ما الذي يتمنى عدونا أن نفعله؟ أي استجابة من قبلنا يمكن أن تسعده؟
الجواب، هو أن عمليات 13 تشرين الثاني ارتكبت لأنَّ داعش تتمنى أن ترانا نقتل المسلمين. إنهم يريدون التحريض على تصعيد عسكري في سوريا.
إنـهم يتمنون أيضاً إثارة الفوضى، بل المواجهــــات مع المسلمين الذين يعيشون في الغرب. إنهم يعتبرون أنه ليس للمسلم أن يعيش في مجتمع غربي، وأن العالميْن لا يستطيعان التعايش. وكل دعايتهم، القائمة على ضرب من استعادة «الكبرياء الإسلامية»، هي في الحقيقة مجرد احتيال: فالدولة الإسلامية تتمنى أن يقتل الغربُ المسلمين كي تستطيع تبرير معركتها.
داعش هي جماعة إرهابية. ليس من الممكن مؤاخذتها على التصرف كما تفعل. فهي لا تفعل إلا ما هو موجود في تعريفها: الترهيب. لماذا؟ لحملنا على الخوف، لكي تفرض نفسها على البرنامج السياسي. لكي ننسى ما هو عادل وأخلاقي. لكي لا نهتم إلا بها. ولكي نتصرف وقد سيطر علينا الخوف ضد مصالحنا، ضد المنطق.
خطأ كبير نرتكبه حين نعتبر أن داعش هي الشرّ. لقد كنت أنا نفسي ضحيتها، ومن ثمَّ لن أذهب إلى البدء بالدفاع عنها وأن أقول إنهم ليسو أشراراً. لكنهم ليسوا إلا مظهر الشر. تصور صديقاً يأتي لرؤيتك ويشكو من أن مطبخه حافل بالصراصير. يطلب مساعدتك لكي يقضي عليها. تذهب وتتحقق من أن المطبخ مقرف. فالجدران مغطاة بالدهون. والأرض ملأى ببقايا الطعام الفاسد. «تجيب صديقك، مطبخك ليس وسخاً، إنه مقرف فقط.» فإما أن نقوم باالتنظيف. وننظف بالمياه، فتختفي الصراصير لوحدها بسرعة كبيرة. وإما أن نركض وراء الصراصير، ونصطادها، ونسمّمها. ولكن طالما بقي المطبخ وسخاً سيتوجب علينا الاستمرار في ملاحقتها. ليست داعش إلا الصراصير. قذارة الشرق الأوسط، هي سلطوية النظم التي لا تملك إلا العنف كي تبقى في مكانها. إنها طائفية النظام التي تدفع بالناس إلى أن يعرفوا بأنفسهم حسب دينهم بدلاً من مواطنيتهم.
منذ عمليات باريس الإرهابية، زاد الغرب من وتيرة هجومه العسكري ضد الدولة الإسلامية. لا أدافع عن التخلي عن الوسائل العسكرية التي يجب أن تؤلف جزءاً من مجموعة الإمكانات تحت تصرف الدول. ولكنها في إطار استراتيجية مضادة للإرهاب، لا يجب أن تمثل إلا جزءاً صغيراً جداً من الوسائل المستخدمة. إذا وجدت «حرب ضد الإرهاب» (وأنا شديد الحذر مع هذا النوع من المفردات)، فيجب ألا يغيب عن بالنا أنها قبل كل شيء صراع غير متساوق، صراع قائم على الدعاية. وبالنظر إلى ذلك، لن يكون المنتصر في الحرب التي تدور رحاها اليوم في الشرق الأوسط ذلك الذي يعمل تحت إمرته المقاتلون الأشجع أو الذي يملك الأسلحة الأغلى والأكثر تقدماً. بل سيكون ذلك الذي يقف الشعب السوري إلى جانبه. إذا كنا بفعل القنابل نبعد السوريين عنا، فسوف نخسر الحرب. إذا أعلنا تضامننا مع قضيتهم وعملنا من أجل أمنهم وساعدنا على استخلاص حل سياسي للصراع الذي يقتلهم، فسوف نعمل بذلك على انهيارالدولة الإسلامية.
يبدو المشروع السياسي اليوم مشروعاً مستحيل التحقيق، نظراً إلى استحالة التوفيق بين المواقف. إنَّ حماية المدنيين هي الأولوية التي يجب أن يتبناها العالم على المدى القريب. فمن الوقاحة أن يغمض العالم الذي عبر عن تضامنه العميق مع الفرنسيين بعد العمليات الإرهابية في 13 تشرين الثاني عينيه عن 200 ضحية يومياً بفعل الصراع السوري منذ أكثر من أربع سنوات. وغير أخلاقية أيضاً نداءات بعض السياسيين لتغيير المواقف الدبلوماسية وإعادة تأهيل النظام السوري الذي يقف وراء حوالي 90٪ من الضحايا المدنيين منذ بداية الصراع.
لا يمكن أن تتحقق حماية المدنيين إلا بمناطق آمنة في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة. وستكون إقامة مناطق الحظر الجوي فوق كل المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة مدمرة لداعش. يمكن لذلك أن يحمل المواساة أخيراً إلى الديمقراطيين السوريين الذي يناضلون منذ أربع سنوات ضد طغيانيْن متماثليْن. يتمنى سكان المناطق المحتلة من قبل الجماعات الإرهابية أن يتمكنوا من الاستفادة من منطقة الحظر الجوي وطرد المجاهدين. ذلك أن عنف قمع الثورة هو الذي حرّضَ على تجذير المواقف. ويمكن لتوفير الأمن، بالإضافة إلى تأثير المساعدات الإنسانية وتوطين اللاجئين أن يسمح للسوريين أخيراً بأن ينظروا للمستقبل وأن يستحوذوا على الفضاء اللازم من أجل امتلاك مشروع سياسي. فلنتح للسوريين فرصة أن يكفوا عن الخوف على حياتهم كل صباح حين يستيقظون، وسوف تنهار داعش مثل قصر كرتوني.

 

٭ إعلامي فرنسي، اختطفه تنظيم الدولة الإسلامية
لعشرة أشهر. صدر له مؤخرا كتاب أكاديمية الجهاد.
متوفر في العربية والانكليزية والفرنسية والتركية

نيكولا هينين