لست بالعارف بالصحافة ولا المتطلع على حيثيات مهنة المتاعب، لكني قطعا من ساكنة موريتانيا وأهل باديتها ، ومولود بأعماق الأعماق حيث كبرت ورضعت ورأيت كيف هي أخلاقيات المجتمع الموريتاني في أعماق صحرائه الكبيرة العميقة الممتلئة علما وفضلا ورزانة . بيد أن يد النوى شطحت بي في غربتي الاختيارية كغيري من أبناء أهل الأعماق والسطح في "موريتانيا" بسبب نكد الزمان وولادته لناس كلهم عتل زنيم حكموا وتحكموا ظلما وجورا، واستدار الزمان دورته السمجاء الخشنة، ليصبح البلد كله بثقافته وأناسه الخيرين لعبة في يد قلة أ صغروا أهله بالفعال والأقوال . هذا عينه ما جعلني ألفت نظر من "يرى" _بأي من ميزاتها _أو يسمع أن كل مغترب يحرص على مشاهدة بلده ومناظر أرضه التي أكلها صبيا وشمم رائحة أريجها وأهله على أديمها يوما، ودمعت عينه لها وعليها مرات ، لينوح لما آلت إليه من فظاعة في التقلب والتفكير وما يراد لها.
بطل ذلك وجذليه الفذ مقدم ومعد برنامج "موريتانيا في الأعماق " حيث تبذير المال العام، والاستهزاء مهانة بالشعب الشنقيطي الموريتاني الكريم. أدمنت على البرنامج المذكور من بزوغه تقريبا وكل مرة أبكي دما لما يفعله هذا الرجل وتلفزته ومسؤوليه من عدم مهنية ونقيصة في الأسلوب والتعامل ، حيث يريد أو أراد أو أريد له، وقد كان كل ذلك أن يجعل الشعب في موريتانيا الأعماق حثالة من الرعاء والسذج ؛ يصور بناتها يحتقر من اشتعل رأسه شيبا لا يرغب فيه إلا ولا ذمة؛ كل الساكنة عنده سواء، يجعل من المجتمع حفنة تركب جمالا وخيولا وحميرا بيدهم عصي ،يصور معهم، ينهك أعراض نسائهم يهين كرامتهم بحركات صبيانية ساذجة يصورهم لعبة يحشرهم في يوم مشهود ليرجع لتلفزة العار يبث معيوباتهم والبهتان عليهم ؛ يحسب ذلك مجتمع الشناقطة وأني له ذلك. وبربكم أيها العارفون بأعماق موريتانيا متى كن نسوتنا يحببن أن يرين وهن في أشغالهن المنزلية "انخيظ الشكوة" ؟
وهل شيوخنا وعلماؤنا يركبون الجمال والحمير يسابقوهم في الاحتفالات والمواسم ، ثم بربكم متى كان طلب العلم مختصرا في الأعماق على أطفال لم يبلغوا سن الخامسة يصورهم زمزام وزمرته ؟ ألم يعلم القوم أن موريتانيا أعمق بكثير من ما يصور عنها وما يقال عنها وما يفعل بها!.
هي إذن أعماقيات التلفزة وليست موريتانيا ، لكن على التلفزة أن تقتطع في اخراجها وتحريرها كلمات مقدم البرنامج المتكررة والمعادة النعل بالنعل في كل مرة خلوا من الإبداع وسذاجة في اللغة ومهانة للبلاغة ؛ وعليهم تصوير المناظر وتقديم المجتمع بغير هذه الضعة والشنارة . إنه من المبكيات المضحكات تصور حاضنة الأدب والقيم في شكل دمية تلعب وتمرح، تحلب الشاة وتتسابق علي الماشية، تتهافت على التصوير وأكل لحم سيئ الإعداد في مكان من اختيار طاقم التلفزة المعد للمهزلة ، والأدهى من ذلك أنه يعيب الأرض والساكنة، فحينما يعيب ألأرض يصورها وعرة المسلك صعبة المغاور خالية السكان، حسبه في ذلك مادة اعلامية مزورة وسيارة قديمة قدم معرفته هو بالمجتمع وعاداته؛ وقدم حبه لتحصيل المال من كرامة شعب بحجم أمة موريتانيا التي ملأت الدنيا علما وورعا وقيما.
إن من عظائم السوءة وكبائر المخجلات أن يستمر هذا البرنامج بصفته تلك وبلبوس الاستهزاء الذي يلبس به؛ خلوا من الابداع ومهانة لأرض وساكنتها، وانفصاما عن الذائقة الأدبية الصحفية الإنسانية ؛ "وربك يعلم ماتكن صدورهم وما يعلنون" .
بقلم : افاه الشيخ مخلوك