العالم العربي وأردوغان ووادي الذئاب | 28 نوفمبر

إعلان

العالم العربي وأردوغان ووادي الذئاب

خميس, 07/28/2016 - 20:10

* محمد حسن مرين

في الأيّام الماضيّة وأنا أتابع هوس الناس في العالم العربي بمتابعة الانقلاب على الرئيس التركي الطيب أردوغان، تذكّرت هوسهم في متابعة المسلسلات التركيّة، وهو لم ينقص من حبكته الدراميّة شيء بما فيها حضور الحسناوات التركيّات من إعلاميّات ونجمات من المجتمع التركي، فتعامل الجمهور العربي بتلك التلقائيّة العاطفيّة نحو النجم أردوغان، سواء بالتعاطف معه أو التعاطف عليه، وتذكرت أو تخيّلت أنّها عندنا عادة شائعة في متابعة الأحداث والمواقف التي تختزل في الشخص، تماما مثلما كانت متابعة مواقف القرضاوي بما فيها ويكليكس زوجته السابقة في نشر غزلياته القديمة، أو مواقف وفتاوى باقي الدعاة أو الشخصيات العامة، أو مواقف الزعامات والحكام حيث تدور المتابعة والمقاربة حول أشخاصهم ليس بصفتهم البشرية حيث الصواب والخطأ، ولكن بذواتهم المعنويّة دون مناقشة منظور أفكارهم.

وهو نموذج للتعلق بعالم الأشخاص دون مناقشة مدى مصداقيّة تلك الأفكار، فتجد نفسك محاصرا بين جبهتين فأنت إمّا مع أو ضدّ، في تقديس الشخص أو الشماتة فيه، وليس لمناقشة المشهد السياسي ومدى تحقيق مصالحنا بوصفنا أمّة ننتمي لمصير واحد وإقليم حضاري واحد، بعيدا عن الموقف الإيديولوجيّ أو النمطيّ، والتعامل مع الأشخاص بصفتهم البشريّة التي تدفعنا للانتقال لمناقشة عالم أفكارهم وسياقات المصلحة العامّة في إطار مشهد سياسي دولي أكبر من تفصيلات إيديولوجيّة ضيّقة.
الحقيقة أنني كنت سعيدا بفشل الانقلاب لأنّ تداعيات الانقلاب في نظري أخطر على استقرار تركيا، وكانت تركيا ربما تنحدر إلى حرب أهليّة تأخذ منّا مجتمعا مسلما آخر وجارا إقليميا في هذا الحريق العربي والإسلامي التكفيري والطائفي المتواصل، إنّ الانقلابات مثل عنف التكفير تقفز على إرادة الناس وخياراتهم لتفرض واقعها بالعنف السياسي وليس بالعمل المدني وبناء الوعي السياسي، وخارج عالم الأشخاص في حفلة مع عمرو أوضد زيد، فالخوف أن الآلاف يكونون ضحيّة القمع سواء مع افتراض نجاح الانقلاب أو فشله من الطرف المنتصر (من سجن وقطع أرزاق مئات الآلاف من الناس لمجرّد اختلافهم الفكري كما شهدنا في دول من العالم الثالث بعد كل انقلاب) بعيدا عن مبادئ قيم الدين والإنسانيّة ومروءة الاختلاف وأعراف النظام الديمقراطي، ولكن في كلا الحالتين فثقافة القمع تسود تحت تكبيرات الأتباع والغوغاء؟؟؟ أو تحت صيحات الإعلام الأصفر والمواقف الإيديولوجيّة الضيّقة؟؟؟ التي تتلذّذ بخيانة أو قمع الخصم السياسي ولو ضاع وطن أو تفكّك مجتمع، وهذا شائع عند النخب العربيّة والإسلاميّة، إنّ التجرّد من الموقف الإيديولوجي والانفتاح على المشهد الكلي وعلى المعطيات التي تُحيط بالملف التركي تفتح أمامنا آفاقا أوسع من أن تكون مع السيد أردوغان أو ضدّه.
إنّ أول حقيقة صادمة رأيت أن الكثير يقفز عليها هي أنّ الصراع هو إسلامي/إسلامي إيديولوجيا، إذا أخذنا بالرواية التركيّة الرسميّة من أن الانقلاب من جماعة فتح الله غولن، لذلك فالغرابة من الموقفين مع وضدّ بالصفة الإيديولوجيّة، ما عدا أن تكون ضدّ الانقلاب مبدئيا بغضّ النظر عن المنقلب والمنقلب عليه.

إنّ كل ما يُقال عن السيد أردوغان عن نجاحاته في تنميّة تركيا ومواقف حضاريّة أخرى صحيح لا غبار عليه لا ينكره إلا صاحب موقف إيديولوجي، (ومن حق الشعب التركي وواجبه التمسك به، فهناك مجتمعات عربيّة تتمسّك بحكامها وملوكها الفاشلين وأنصاف المتعلمين فلماذا يُلام الأتراك)، ولكن على الإسلاميين العرب أن يقتدوا به في خدمة أوطانهم والحفاظ على استقرارها وانسجامها والتكيّف مع واقعها (هو الذي تكيّف مع التعايش الطائفي ومع العلمانيّة وحالة الحياة الغربية في تركيا بما فيها أنواع حالة العري والمجون المشهودة التي لا توجد في أي بلد عربي؟؟؟)، وليس الدخول في مغامرات فتنويّة لأجل تحريض طائفي أو إيديولوجي حماسي لحسابات الجماعات والزعامات والنفوذ، والانحياز أكثر لتجارب عربيّة أولى بفهم الواقع العربي وإشكالياته، كدور التجربة التونسيّة بما فيها دور راشد الغنوشي في حماية تونس من ارتدادات الربيع العربي مثلا (ذكرته لأنّه من التيار نفسه)، لأنّ الملف التركي له خصوصياته التركية التي لا يمكن مقاربتها وفق الواقع والمصالح العربيّة ومن أهمّ إشكالياتها التي تخدم مقاربة موضوعيّة، وفق منظور عربي:
ـ مدخلها أن الصراع في تركيا في هذا الانقلاب في البيت الفكري الواحد، وليس ضمن الصراع التقليدي، إسلامي/علماني، أو طائفي، والسؤال الإشكالي الموضوعي: لماذا يحرم أردوغان وتيّاره الدّاعيّة الإسلامي فتح الله غولن حقّ التعبير والمشاركة السياسيّة، هل هو الدين أم السلطة والنفوذ؟؟؟ مع التسليم بشرعيّة أردوغان الانتخابيّة.
ـ العلاقة التركيّة الإسرائيليّة: هل التنسيق الاقتصادي والسياسي والمخابراتي وذروة التطبيع مع الكيان الصهيوني هو مصلحة عربيّة وإسلاميّة أم تقدير للنظام التركي (كما هو حال أنظمة عربيّة) لا يخدم بأي حال مصالح العالم العربي وفلسطين؟؟؟ ولا ينسجم مع القيم العربيّة والإسلاميّة.
ـ أردوغان والجماعات المسلحة: هل التساهل مع التكفير والجماعات الإرهابيّة والتحريض على الصدام والاقتتال الداخلي في الدول العربيّة هو موقف يخدم العلاقات العربيّة التركيّة وبناء مستقبل مشترك؟؟؟ أم يعمّق إرباك الواقع العربي ولاحقا الواقع التركي والإسلامي عموما؟؟؟
ـ إن مقاربة الملف الكردي بطريقة أمنيّة، وفق المنظور القوميّ التركيّ؟؟؟ هو إشكاليّة قوميّة تركيّة وإقليميّة تزيدها المقاربات الطائفيّة تعقيدا، والملف الكردي لوحده أصبح من أهم ملفات الإستراتيجيات الدوليّة بسبب علاقته بدول محورية في العالم العربي والإسلامي، يعمل المشروع الأمريكي على ضربها بما فيها تركيا؟؟؟
لذلك فإنّ نجاحات أردوغان في تنميّة بلده، عوض أن تثري المشروع الإسلامي فكريا وواقعيا في استثمار التجربة من خلال التكيّف مع خصوصيات البلد، والوسائل المدنيّة في التعبير السياسي، والبعد التنموي للمجتمعات قبل الشعارات الدينيّة العصبيّة التي تنتهي بالإخفاق، وتثري المشروع السياسي العربي في إمكانيّة التعايش مع مشروع ديمقراطي حضاري، ولكن للأسف منحت النظام التركي سوء تقدير وحميّة جماعاتيّة في بيئة الربيع العربي التي أحيت جاهليّة الصراع الداخلي العنيف، بين روح الاستبداد وروح الطائفيّة والتكفير، تفسّر الإرباك الذي وقع فيه النظام التركي (وكثير من التيارات السياسيّة والدينيّة) في مقارباته الدوليّة، إذا لم يقم أردوغان وتيّاره بمراجعتها وعلى رأسها الانفتاح على الجوار العربي، بدور إيجابي في معالجة مشاكل المنطقة، ونفض يديه من جماعات التكفير، فإنّه يواجه أكثر من محاولة الانقلاب وهو تداعيات المشروع الأمريكي الطائفي والتقسيمي الذي يلف على تركيا قبل وبعد أردوغان حبل الفوضى الخلاقة عبر الملف الكردي، وعبر حلفاء غير آمنين (التحالف العربي الأمريكي/الغرب) بينما أضاع عمقه الإستراتيجي الأكثر ضمانا (جواره العربي والإسلامي).
لذلك علينا أن نفتح أعيننا على الصراعات الإستراتيجية في العالم بدل الغرق في المشهد العربي والإسلامي الصغير في صراع الجماعات والإيديولوجيات، وتضييع بلدان في مخطّطات المشاريع الإستراتيجية الدوليّة الكبرى التي تتجاوز ألعابنا الصغيرة، الإيديولوجية والجماعاتيّة والطائفيّة، كما ضيعناها في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا في الطريق، كما ضيّعنا فلسطين في مثل هكذا غفلة عندما كان الغرب يمنح وعد بلفور للصهاينة ويرسم خرائط سايس بيكو، كنا نحن والأتراك في ألعابنا العائليّة والقبليّة والعرقيّة، فلا تضيّعوا تركيا بعبثيّة الربيع العربي، فالعالم العربي وأردوغان في عالم من القوى الغربيّة الكبرى التي تعوّدت تاريخيا وهي مستمرّة في الكيد السياسي للهيمنة على مستقبل ومصالح دولنا ومجتمعاتنا (وادي الذئاب) لا يمكن الانتصار على مخططاتها إلا بالعودة نحو مركزية فلسطين في الوعي والفكر العربي والإسلامي، وهي محور الصراع السياسي الدولي بكل أبعاده، والانتقال من صراع الجماعات الدينيّة والإيديولوجيّة والطائفيّة إلى فكر الأمّة ومصيرنا المشترك، الذي يحتاج إلى كثير من روح السلم والمصالحة والوئام والتمدّن الحضاري والذي يواجه تحدّيات مشتركة، من روح سايس بيكو ووعد بلفور.

صحيفة زادي زاد