زيارة اردوغان لموسكو: الشخصنة والذاتية في السياسات العربية | 28 نوفمبر

إعلان

زيارة اردوغان لموسكو: الشخصنة والذاتية في السياسات العربية

جمعة, 08/12/2016 - 20:18

ذهب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى سانت بطرسبرغ للقاء الرئيس بوتين بعد خلاف وتصريحات وتهديدات متبادلة  لامست مخاطر اندلاع حرب  ولكن مصالح تركيا العليا  الاقتصادية والسياسية تقتضي ذلك . إذ لا خلاف شخصي يجعل أردوغان محرج من لقاء بوتين ، ولا عداوه ذاتية تمنع بوتين من استقبال نظيره  ، هذا قد يكون أقرب نموذج راهن  عن ماهية  العلاقات الدولية بين الأمم ، حيث لا قيمة للحقد  الشخصي أو الخلاف بين زعيمين ولا تأثير كبير  لها على العلاقات التي تحكمها المصالح و محددات السياسية بالدرجة الأولى ،  مصالح الأمة كلها وليس حقد الزعيم أو كرهه أو رغبته من الانتقام من نظيره على حساب مصالح شعبه وأمته ودولته .

أما العامل الشخصي في العلاقات العربية والسياسات العربية فهو حاضر ، لا بل هو المحرك لتلك السياسات والموجه لها . ولهذا نعيش في منطقتنا العربية أسوء مراحل تاريخنا ، ويدهمنا التطرف والطائفية البغيضة والانقسام المفتعل ، والاقتتال الدموي ، والتخلف المتغلغل، الجهل المنتشر. وارتزاق النخبة على أبواب السلاطين والحكام.

في تجربة السنوات الست العجاف الماضية التي مرت على أمتنا العربية  و دولها برز العامل الشخصي في مفاصل الأحداث ، زجت دول عربية بكل امكانتها لإسقاط القذافي في ليبيا ، لم يكن يهم تلك الدول ما هو البديل   ما هوية المقاتلين الذين يدعمونهم ، أو كيف يتم ضمان بناء نظام ديمقراطي في ليبيا بعد إسقاط القذافي ، أو كيف يمكن حماية المجتمع الليبي من التمزق والتطرف ، حتى لم يكن في الحسابات ما تأثير الفوضى في ليبيا بعد القذافي على دول الجوار، المهم أن يرحل القذافي ونقطة  ، والشعار الذي رفعوه هو أن انه مستبد ودكتاتور  ولابد أن ينال الشعب الليبي حريته ، طبعا الحقيقية هي الحقد الشخصي المتأصل في طبيعة السياسات  العربية ، لأنه  بكل  ضوح القذافي وحكمه لا يختلف عن أنظمة الحكم  في البلدان التي ساهمت في إسقاطه . ومن الجهل اعتبار القذافي وحكمه استثناءا في المحيط العربي المبتلى بالأنظمة الدكتاتورية وغياب الحريات .

في الحالة السورية المثال أوضح بسبب استعصاء هدف إسقاط النظام ، فالمشكلة عند بعض الحكام العرب هي بشار الاسد فقط وليس نظامه ، والدليل أن السعودية وقبلها قطر عرضت بقاء النظام مقابل إزاحة الرئيس الأسد ، وزير الخارجية السعودية  حتى الآن يكرر في كل مناسبة أن على الرئيس الأسد أن يرحل اما بالسياسة أو بالقتال. لا يحتمل هؤلاء القادة العرب بقاء الرئيس بشار الأسد حتى ولو حول سوريا إلى واحة ديمقراطية ، الهدف ليس الديمقراطية ولا حرية الشعب ولا وحدة سوريا ، الهدف فقط  بشار الأسد ولو دمروا سوريا على رؤوس أهلها . نعود ونكرر هل النظام السوري استثناء في الحالة العربية وهل الدول التي تصر على إسقاط النظام تمثل نموذجا لحرية شعوبها ومثالا للديمقراطية وتداول السلطة .

الشخصنة و الذاتية ، ذاتية الحاكم هي سمة السياسات العربية ليس خلال السنوات السالفة العجاف فقط ، انما منذ بداية تشكل الدولة العربية الحديثة .

المشروع الوحدوي والنهضوي العربي فيما سمي المد القومي في مطلع الخمسينات على سبيل المثال ارتبط بشخص الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ، وعندما توفي رحمه الله ، بدأ هذا المشروع يتلاشى ، وأخذ أنور السادات مصر إلى حالة أخرى ادت الى قطيعة مع العرب ، وعندما اغتيل السادات بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد ، عادت العلاقات العربية مع مصر .

الخلاف الشخصي بين الراحلين حافظ الأسد وصدام حسين أدى إلى قطع العلاقات بين سوريا والعراق .الحقد الخليجي على صدام حسين أدى إلى مساعدة الولايات المتحدة على احتلال وتدمير العراق بكامله وقتل وتشريد شعبه ومازال يعاني حتى اليوم .

إذا أردنا أن نورد كل الأمثلة عن حالات الشخصنة والحقد الشخصي نحتاج إلى مئات الصفحات ، لرصد هذه الحالة المرضية في عمق السياسات العربية .

القمم العربية عبر تاريخ الجامعة العربية تحتاج لوحدها إلى بحث عن كيفية التعاطي الشخصاني بين القادة العرب ، وكيف كانوا يتصرفون وكأنهم في روضة اطفال ،(الحرد والمناكفات و الخلافات والشتائم والتهريج السمج )

المستغرب  أن هناك دائما  من النخب العربية  التي من المفترض انها تدفع باتجاه التنوير و التقدم والتطور لمجتمعاتها من لا يخجل من تبرير هذه السياسات الشخصية التي لا تكترث للمصالح العليا للشعوب و تغلب الكره الشخصي الذي لا محل له في عالم المصالح والاستراتيجيات الكبرىعلى مصلحة الأمة .

هذه النخب المشتراة لا تجرأ على أن تقول للحاكم العربي أن مصير الأمة لا يختصر فيما تحب انت وتكره سموك  فخامتك .وإن الأمم حولنا تبني سياساتها على أساس جملة مصالح الجميع ، ورفاهية الجميع ، وتطور المجتمع.

إن شعوب هذه الأمة طال سباتها ، وتوحشت غيلان أفقارها واذلالها ، واستسهال سفك دمائها وتقسيمها وتحريض بعضها على بعضها الآخر . وإن لها أن تنطلق من قبرها وترفض عنها غبار تلك العقود والانتقال من القبلية إلى الدولة ، الدولة الحقيقية التي تحمي مصالح الأمة بغض النظر عن مشاعر الحاكم وحبه وبغضه .

يا أبناء أمتي لقد جعلنا هؤلاء اضحوكة بين الأمم فإن لنا أن ننهض.

كاتب واعلامي فلسطيني

*نقلا عن صحيفة راي اليوم اللندنية

العنوان الأصلي للمقال: على هامش زيارة اردوغان لموسكو: الشخصنة والذاتية في السياسات العربية.. آن لنا ننهض