القانون الوضعي وحرية الرأي سببين من أسباب ابتلائنا |
الجمعة, 24 يناير 2014 20:09 |
كتبت مقالا في أواخر التسعينات عنوانه "المجرم حيوان لا حقوق له"، تساءلت فيه هل من العقل ترك ذئب مفترس يجول بين الناس مهددا لسلامتهم بحجة اعتبار حقوق الحيوان! أليس المجرم الفاتك ذئبا يضع قناعا بشرية. تتكرر نفس القصة في ظل هذه الديمقراطية الرعناء التي نعيشها، والتي يبدو أن البعض أصبح اعلم بها من دينه الكريم! ترى الواحد منهم كأسياده النصارى يتقنع بالرحمة وحرية الرأي في غير محلهما. فبماذا أفادنا تساهلنا مع المجرمين الذين يغتصبون بنات الناس جهارا نهارا؟ أيعتبر ذلك الوحش المفترس لأغلى ما في بيوتنا (الأعراض) صاحب حقوق؟ بماذا أفادتنا رحمته؟ ألا رحمنا الأبرياء الذين يعرضهم التساهل معه للخطر؟ ماذا يستحق من اغتصب تلك الطفلة البريئة ومثل بجثتها بعد ذلك؟ أيستحق أن يعيش ليكرر فعلته التي لم يرقب فيها دينا ولا إنسانية؟ ماذا يستحق أولئك الوحوش الذين افترسوا تلك الداعية العائدة من مجلس ذكر؟ من يعوضها عما أخذ منها غير رب العالمين الذي ابتلاها لتصبر. أيستحق أولئك الذئاب البقاء أحياء؟ لنكن واضحين فمثل هؤلاء المفترسين لا نجاة من شرهم إلا بالإعدام، وإذا كنا في حيرة من شرعية ذلك القتل والتمثيل بهم، فلتكن لنا أسوة في دولة ذات دين تطبق شرع الله، تعدمهم بدون رحمة، والحمد لله، وهي السعودية، وذلك ما يستحقون كره من كره ورضي من رضي. إن شرع ربنا هو الوسيلة الوحيدة الضامنة للراحة والسلامة في هذه الدنيا، ومن أراد غيره فلن يحصل إلا على الشقاء، وتأمل في حال أولئك النصارى، ما فائدة تطبيق ذلك القانون الغبي الذي يزعمون أنه رحيم مع أولئك المجرمين؟ ما فائدة تحويل سجن القاتل والمغتصب إلى غرفة في فندق فاخر غير زيادة ثقته في فائدة ما يقوم به، من منظوره القاصر؟ المهم عندهم هو أن تكون شرطتهم فعالة في القبض على المجرمين، ورحمتهم، والخوف من المساس بحقوقهم التي يفترض أنهم قد فقدوها يوم قرروا أذية شعوبهم الغافلة، أما أن تنعدم الجريمة في المجتمع فليس هدفا لتلك الدول بل هي قاطعة الأمل فيه، والدليل حال مدنها الكبيرة التي تحسب فيها الجريمة أحيانا بالثانية.. ويوجد للأسف من يريد لنا أن نتحول إلى نصارى سود أو مغبريين! ويعتقد أنه على شيء وهو على عكس ذلك. وسأناقش في هذا المقال نقطتين مهمتين في نظري تدوران حول ذلك الفهم الناقص: الأولى: الإعتقاد بأن القانون الغربي االوضعي التجريبي يضمن سلامة المجتمع من الأمراض الفتاكة أكثر من القانون الإلهي المضمون مدى حياة المجتمع المسلم (الشريعة)، وهذا خطأ شنيع من وجهين، الأول: أنه يدل على ضعف إيمان صاحبه (وسبب ذلك في رأيي الجهل وإتباع البدع، فالبدع أحيانا أخطر من الجهل لأنها تعمي وتصم عن الحق، وتنصر أهل الباطل)، فالمؤمن الحقيقي لا يقدم شيئا على ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو على ثقة من أن واضع تلك الشريعة هو خالق البشر، وهو الأعلم بهم، فلا طريق ينفعهم أكثر من طريقه الذي سن لهم.. وهذا الجهل القبيح دواؤه إرغام النفس على تعلم الدين على الثقات، أو القراءة المكثفة حول الإسلام، ويا حبذا لو استشار ثقة عن العلماء الذين يقرأ لهم، فليس كل من ألف كتابا يستحق النظر في كتابه، بل من الكتب ما يجلب النظر فيه الإنحراف وسوء الفهم واتباع الهوى ككتب بعض المثقفين المتطفلين على الدين بآرائهم الهزيلة، ويا لها من ثقافة يكفي أن يقال عنها أنها ليست علما حتى لا يُتخذ صاحبها مثالا يحتذى به كما هو حال بعض السذج مع الكثير من المفكرين العرب التافهين الذين شوهوا الدين بأفكارهم العوجاء، وجعلوا الفكر قرين للفرار من الدين، والإنغماس في الفجور الغربي.. وإذا أردت رأيي: عليك بكتب المتمسكين بما كان عليه سلف الأمة من توحيد خالص لله لا مكان فيه لدعاء الأموات مهما كانوا، ولا للحج إلى القبور، ولا للإجتماع على بدع ما أنزل الله بها من سلطان، في الزوايا والحسينيات.. عليك بالقراءة لمفكرين وفلاسفة مسلمين يفهمون الإسلام على فهم سلف الأمة، ويقدمون قدما ويؤخرون ألفا قبل التجرؤ على الكلام في الدين بآرائهم.. والحذر كل الحذر من المساكين الذين يحبون الظهور والأضواء أكثر من حبهم للتقوى، ويعتمدون المبدأ القائل: خالف تُعرف. ومثال ذلك: شنقيطي موقع الجزيرة الإلكتروني الذي خرج علينا في هذه الأيام بآراء جديدة حول حكم المرتد يكفي للإستدلال على اعوجاجها أنه خالف آراء الراسخين في العلم من أصحاب المذاهب في مسألة فقهية لا فلسفية، وإذا كان عاجزا عن فهم الفلسفة فهما مفيدا فلم يحشر أنفه في سوق العلماء! فمثل هؤلاء يجب الحذر والتحذير منهم، تماما كما يجب التحذير من القديس الآخر الذي يطل علينا هذه الأيام في إحدى القنوات زاعما الرضى، والذي سمعت بعض أتباعه يصفه بأنه وسيلته إلى الله عز وجل!! تماما كما أضل السابقون شيوخ البدع والضلال برفعهم فوق مقاماتهم ثم عبادتهم (دعائهم لأن الدعاء عبادة)، وإن كان ذلك مستساغا في زمن الجهل والتخلف، فإنه غير مقبول ولا معقول في زمن الفضائيات، وعلى الهواء!! وإذا أردت أن تميز أهل البدع عن غيرهم فاجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حكما بينك وبينهم، فأهل الحق الذين يحبونه حقا (والمحب مطيع) هم الذين يتبعون سنته، لا يزيدون ولا ينقصون، ويتمسكون بما كان عليه أصحابه ،وهم أدرى الناس به، ولا يغالون فيه كالقول بأنه "ما خلقت السماوات والأرض إلا من أجله!"، بل عندما سمعت ذلك الشيخ الشنقيطي المسن العالم! يقول: "ما خلق آدم عليه السلام إلا من أجله صلى الله عليه وسلم"، قلت: ما تأدب هذا الشيخ الطيب مع الأب! وليس قصدي سوء الأدب مع الشيخ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم هو دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام المجابة، وآدم أبو الجميع.. لقد قام الشنقيطي بتحديث حكم المرتد عبر الإنترنت مستدلا على ضرورة رحمته بدل قتله، في خاطرة غريبة من خواطره المملة، ويبدو أنه لم ينصت لنصيحة الشيخ السعدي الطيب – الذي حاوره في برنامج قديم على قناة فور شباب -، ونصحه بعدم إتباع الهوى والعقل – ولا عقل لمن يفرض الشبهات على الحق الذي اتفقت الأمة عليه-، فلا شيء يبعد المرء عن طريق الصالحين أكثر من اعتراضه على الصالحين، وتلك علامة الباحثين عن الدنيا لا المصلحين – وهي علامة العلمانيين -، فمسالة المرتد وحكمه مسألة منتهية، تناولها أفاضل علماء الأمة من قديم الزمان، ولا سبيل للشنقيطي ولا للتشيتي ولا لغيرهما من المغمورين إلى الإعتراض عليها.. قلت لنفسي سأقوم بتجربة، سأنسخ نصا من نصوص هذا الشنقيطي التي عكر بها خاطرته هذه، وسألصقه في موقع غوغل لأرى هل هو مرتبط بشبهة مشهورة، فكان جواب الشيخ الضال - أحيانا - "غوغل"، موضوعا يتضمن ذلك النص عنوانه "شبهات مثارة حول حكم المرتد".. فعلمت أن الرجل يصطاد في المياه العكرة كغيره من المفلسين.. أما كلامه في مقاله فلا معنى له، ولا دعامة إذ بنى فكرته المشبوهة على آية وحديثين، وسبق مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة إلى ما ذهب إليه! نعوذ بالله من الضلال والغرور (المقاطع الأخيرة من مقال سابق لي).. الثانية: أكذوبة حرية الرأي التي صدقها البعض حتى طالب بقول من شاء لما شاء، وفعل من شاء لما شاء! وهذا لعمري هو الغباء بعينيه، فهل من حرية الرأي أن يسب الواحد والد غيره أمام عينيه وأمام الناس؟ فحرية الرأي لها ضوابط وحدود، فلا يمكن أن يكون التشكيك في الإسلام وفي نبي الرحمة من حرية الرأي لوجود نصوص شرعية تجرم ذلك وتعاقب عليه بقطع الرقاب في بعض الأحيان، ومن رد تلك النصوص أو رفضها كان كمن يرد الدين كله، وخير له أن يرحل عنا ليسكن مع من يفهمه من النصارى واليهود الذين لا يقيمون وزنا للدين.. أما هنا في بلاد المسلمين فعندنا نوعان من الناس: المسلمين، والمنافقين الصامتين (وما أكثرهم)، أما المنافقين المعلنين فلهم أحكامهم التي لا يمكن الإعتراض عليها، وهي كفيلة بإخراسهم إلى الأبد إن احتاج الأمر إلى ذلك، وإراحة المسلمين من خبثهم.. ومع ذلك يظل الدين ارحم من الجميع، فحتى المرتد بسب الرسول صلى الله عليه وسلم أو الإنتقاص من قدره – والعياذ بالله من ذلك -، يوجد قول ثالث (أضعف) يقول بقبول توبته وعدم قتله بعدها (أنظر فتوى للشيخ الجليل ابن عثيمين رحمه الله، موجودة على الإنترنت).. اشرب ماء باردا إن كنت من المخالفين..
سيد محمد ولد أخليل
|