لاجئو القوارب مشكلة مستعصية |
الاثنين, 04 مايو 2015 15:55 |
كان لا بد للإتحاد الاوروبي ان يستنفر طاقاته بعد أحدث مأساة في البحر المتوسط حيث يعتقد ان 700 مهاجر قضوا غرقاً بانقلاب قاربهم نهاية الاسبوع الماضي، وهو أمر غير مقبول بمعايير أوروبية ان يحصل على مسافة «خطوات» من شواطىء القارة من دون ان تتمكن دولها من تلافيه. هذا الامر عبّر عنه وزير الخارجية الفرنسي السابق برنار كوشنير وهو أحد مؤسسي منظمة «أطباء بلا حدود» بقوله إن «أوروبا كلها تتحمل الذنب في ترك مئات من المهاجرين يلقون حتفهم في البحر المتوسط». واضاف: «عار علينا». والمفارقة في الأمر ان المنطلق الانساني الملح لتعامل أوروبا مع الأزمة، جعل التركيز على تلقف «لاجئي القوارب» هؤلاء في عرض البحر وتأمين وصولهم سالمين الى الشواطىء، فيما تكاد لا تسمع أي اقتراحات تتعلق بمكافحة أسباب هجرتهم أو محاربة مهربي البشر الذين يستغلون مأساة هؤلاء. تفيد تقارير أوروبية ان ثمة نصف مليون لاجىء من افريقيا ينتظرون في ليبيا لركوب البحر، ومستوى تدفق المهاجرين بشكل يومي يؤكد هذه الارقام. لكن احداً لا يستطيع في الوقت الحالي تلبية طلب رئيس الوزراء الايطالي ماتيو رينتسي «الإجهاز على مهربي البشر ومنع قوارب اللاجئين من مغادرة ليبيا»، فهذا عمل يتطلب تدخلاً مباشراً على الارض. قد تكون الدول الاوروبية الأخرى، اكثر استعداداً لتفهم نداء رينتسي «لا تدعونا بمفردنا»، وبالتالي المساهمة في عمليات المراقبة والإنقاذ في البحر. وايطاليا التي تحملت حتى الآن العبء الاكبر في استقبال المهاجرين مع تفاقم أزمتهم، بدأت ترزح تحت الضغط، وهو الامر الذي تجلى في فشل بحريتها في انقاذ اكثر من 24 لاجئاً من قارب يقل 700 شخص. لكن احداً لا يستطيع توجيه اللوم الى ايطاليا التي انقذت حوالى 150 ألف مهاجر في سنة واحدة، في اطار عملية «ماري نوستروم» التي اوقفتها لاحقاً بانتظار ايجاد عملية بديلة على صعيد الاتحاد الاوروبي ككل، في حين تتردد دول في المساهمة وترفض أخرى بكل صراحة المشاركة! لقد اظهر حادث نهاية الاسبوع الماضي، ان البحر المتوسط قد يتحول مقبرة فعلية اذا استمرت اللامبالاة، وان لا بد من حلول عملية لإشراك أكبر قدر ممكن من الدول والمنظمات الاوروبية في عمليات الرصد والانقاذ، وهي بلا شك عمليات لا تعالج الجذور الاساسية للمشكلة، فمعظم هؤلاء المهاجرين قادمون من دول افريقية ودفعوا آخر فلس يملكونه للمهربين على أمل البحث عن حياة جديدة في اوروبا. وثمة مهاجرون آخرون من سورية والعراق فارون من الحرب لكن عددهم في ليبيا يبقى اقل مما هو عليه في تركيا والدول المجاورة. وهؤلاء ايضاً يقصدون اوروبا لكن من بوابة أخرى مثل اليونان ويحرصون عادة على التوغل شمالاً الى دول توفر رعاية اجتماعية اكثر سخاء. لذا فإن حل مشكلة الهجرة جذرياً، يتطلب تحقيق أهداف تكاد تبدو خيالية مثل وقف الحروب والتعسف والتمييز الطائفي والعرقي، فطالما ان هذه المشكلات موجودة، تبقى هناك جماعات تتحفز للفرار من معاناتها، وايضاً مافيات مستعدة لاستغلال تلك المعاناة مقابل حفنة من الدولارات. وهنا ايضاً، يبدو غنياً عن القول ان المشكلة لا تتعلق بفوضى الوضع الليبي التي وجد المهربون فرصتهم في ظلها، لكن يجب ألا ننسى ان مد المهاجرين كان متواصلاً على دفعات وان في فترات زمنية متباعدة في وقت كانت ليبيا تحت قبضة معمر القذافي الامنية المتشددة. وبالتالي فان عودة الاستقرار الى ليبيا، متى حصلت، لن تكفل حل تلك المشكلة بالكامل.
* نقلا عن “الاتحاد” الإماراتية |