الشعر البارد له فوائد
الجمعة, 27 فبراير 2015 02:44

altأنا لا أشاطر النقاد رأيهم في عدم اعتبار الشعر البارد انتاجا أدبيا وتصنيفهم إياه في ما يرمى في سلة المهملات الأدبية، باعتباره زبدا يذهب جفاء ولا ينفع الناس، إلى غير ذلك مما يبرّرون به هذا التمييز القاسي التحكمي.

 

 

 

أنا لا أشاطرهم رأيهم، و إن كنت لست منهم ..

 

لأن للشعر البارد فوائد لا ينكرها إلا مكابر عن المحسوس، أو جاهل باختلاف نزعات النفوس ..

 

 

 

ونحن ذاكرون لك هنا ما سنح لنا من هذه الفوائد، علما بأن الموضوع يستحق بحثا أعمق، وتحريا أدق، ولعل الله أن يقيض له من أساتذتنا الأفاضل من هو أولى به وأقدر عليه ..

 

ولا بد قبل ذكر هذه الفوائد من تعريف ولو مبسّط لمفهوم الشعر البارد فنقول ..

 

لقد عرّفه ابن أحمد يوره بأنه الشعر الذى لم يشو شيا جيدا، ولم يطبخ على النار بالقدر الكافي، وأنزلت قدره الأثافي وهي ما زالت بحاجة إلى قدر لا بأس به من الملح و الأبزار.

 

هذا التعريف الأدبي، جيد جدا وصحيح جدا، لكن كثيرا من المستهلكين قد لا يفهمونه حق فهمه، ولا يستوعبون أبعاده بالقدر الكافي ..

 

فنحن نفضّل عليه التعريف الذى يقول إن الشعر البارد هو الشعر السالم الوزن، الصحيح المعنى، الخالى من الأخطاء النحوية أو الصرفية، وهو مع ذلك لا يثير فيك أي إحساس ولا يستثير منك أي استحسان !!

 

بل انت ساعة استماعك إليه تشعر أنك تحت اختبار صعب، تود لو خرجت منه لا لك ولا عليك !!

 

هذا ضابط موضوعي، يضبط لك هذا النوع من الشعر، وبه تعلم أنه لا شيء من الشعر الحر ببارد، لأن شرطه استقامة الوزن كما سمعت.

 

وإذا تمهّد لديك هذا فاعلم أن للشعر البارد مع ذلك فوائد جمة ..

 

 

أول هذه الفوائد ..

 

أن هذا الشعر هو جزء من الإنتاج القومي الخام، لا يجوز بأي حال من الأحوال تجاهله و لا إهماله ..

 

وإذا كان علماء الاقتصاد لم يدخلوا حتى الآن المنتوج الفكري و الثقافي في مكونات الناتج الكلي القومي، فلعله سيأتى يوم يفعلون ذلك، فسيصنّفونه في قطاع رابع، بعد قطاع الخدمات المسمّى بالقطاع الثالث.

 

الفائدة الثانية ..

 

أن الشعر البارد ممتع في نفسه، لكن لا من حيث الحيثية التى تكون بها النصوص الأدبية ممتعة .. أعنى من حيث الدلالات و الإيحاءات، ولكن من حيث الغرابة و الاعتبار.

 

مثاله في ذلك الأجسام الغريبة، والحيوانات النادرة .. فإن فى النظر إليها والتفرّج عليها متعة لا تنكر.

 

فالناظر في الشعر البارد هو في مسرح كبير ..

 

يقول ..

 

سبحان الله !!

 

كيف اهتدى هؤلاء إلى مثل هذا الشعر ؟!

 

كيف وفّقوا إلى رصّ هذه الألفاظ ؟!

 

كيف زيّن لهم ذوقهم الاتيان بمثل هذا ؟!

 

أليس في كل هذا متعة ؟

 

أليس الشعر البارد إبداعا من هذه الحيثية ؟

 

الفائدة الثالثة ..

 

أنه لولا الشعر البارد لما عرف الشعر الحار أو الشعر الجيد ..

 

إذ بضدها تتميز الأشياء، وقديما قالوا .. لا جديد لمن لا خلق له.

 

ومن هذه الحيثية يمكن اعتبار الشعر البارد معيارا لتقييم الشعر على الإطلاق، فما كان أقرب إليه أو مشابها له حكم عليه بالتفاهة و الركاكة، وما كان بعيدا عنه حكم له بضد تلك الصفات.

 

الفائدة الرابعة ..

 

إن للشعر البارد قيمة تاريخية لا تنكر، حيث إنه يسجل الأحداث و الوقائع بصفة هي أقرب إلى الموضوعية مما يسجله الشعراء المبدعون، بمبالغاتهم و إطنابهم و هيمانهم في كل واد، وقولهم ما لا يفعلون ولا تفعل الأمراء.

 

فبإمكانك ان تحكم بأن ما ورد في الشعر البارد واقع بنسبة تسعين في المائة لا ريب في ذلك، وأي فرصة أحلى عند المؤرخ من مثل هذه.

 

الفائدة الخامسة ..

 

الإسهام في معرفة التطور الثقافي للبلاد ..

 

وهذه أم الفوائد .. إذ ستمكّن الباحثين في هذا الميدان من معرفة درجة الابداع في المنتوج الثقافي ..

 

فكلما كانت ثروة الشعر البارد كبيرة، كانت درجة الإبداع أخفض ..

 

ولعل الباحثين سيحدّدون لنا في المستقبل .. النسبة الأدنى التى لا يجوز لشعب من الشعوب أن ينحط عنها في ميدان الإبداع، وإلا وصف بالبلادة، ووصم بالرقاعة.

 

الفائدة السادسة ..

 

إن الشعر البارد يساعد أصحابه في تحقيق ذواتهم ..

 

إذ هم، وهذا من لطف الله تعالى، راضون عنه، معجبون به ..

 

فيتحقّق لهم بذلك التوازن النفسي، والطمأنينة، وراحة البال، وهي أمور لا بد منها لتحقيق ذلك  ..

 

فأصحاب الشعر البارد في بحبوحة من لطف الله تعالى ..

 

إذ زين لهم في أعينهم وأسماعهم ما يعملون من هذا المنتوج، فتراهم يعرضونه على كل من مر بهم ..

 

فإذا جاملهم المجامل، حسبوا قوله صدق صادق، وهو بادي الكذب والتكلّف ..

 

وخير مستمعيهم من ينصت إلى سردهم بأدب وسكون، فإذا أنهوا ما هم ملقون، حوّل الحديث إلى موضوع آخر.

 

الفائدة السابعة ..

 

ان لهذا الشعر لاقطا يعجب به من المستهلكين، كما أن لكل ساقط لا قطا، و لا يجوز لنا حرمانهم منه، فلهم خلق، وله خلقوا، وللناس في ما يعشقون مذاهب.

 

 

أليست هذه الفوائد كافية لإعطاء الشعر البارد مكانته في الموروث الثقافي ؟

 

بلى ..

 

وأخرى هي أحسن و أملح، وهو أن مخزون هذا الشعر البارد ربما لجأ إليه الناس عند تعذّر وجود الشعر الجيّد، كما يتراجع المستهلكون إلى البضاعة الدنيا، عند تعذّر البضاعة الجيّدة، وهي قاعدة تزعّم العوران في بلاد العميان ..

 

وفي ذلك ما لا يخفى من لطف الله ..

 

والحمد لله.

 

 

الأستاذ محمد فال ولد عبد اللطيف

 

 

متعلقات

عيد البقرة

أنواع الزواجات ..

بشائر المطر عند من غبر

تغيّر في سلوك حيوانات الترارزة

لماذا لا نأكل السمك ونشرب اللبن ؟!

هل من مشروع لترقية "اكْـضَيـْم ْ" ؟

 

----------------------

نقلا عن موقع المذرذرة اليوم

 

فيديو 28 نوفمبر

البحث