الاعلام السياسي… و’الرقص فوق جثة المهنية’
الثلاثاء, 18 مارس 2014 01:29

راي القدس العربي: ثمة شواهد مثيرة للجدل اصبح لا يمكن تجاهلها بشأن المصير الذي انتهى اليه ما يعرف بـ’الاعلام السياسي العربي’ سواء كان مقروءا او مسموعا. وليست استضافة احد البرامج السياسية في قناة سعودية مؤخرا لراقصة الا تجسيدا ماديا لنهج قائم،

بل ومستشريا في كثير من القنوات والبرامج، قوامه ‘الرقص فوق جثة المهنية الاعلامية’.

ولعل اوضح صور ذلك الداء العضال، ما تقوم به بعض وسائل الاعلام من ترويج مباشر لاحد السياسيين او المرشحين على ابواب انتخابات رئاسية، كما هو الحال في مصر والجزائر وسوريا على سبيل المثال. وهو ليس بجديد على وسائل الاعلام العربية، بل انها لم تعرف غيره لعقود.

اما الجديد فهو ان بعض الابواق الاعلامية تحولت الى ‘وسيلة بطش امنية’ مباشرة تصدر التهديد والوعيد على الاثير مباشرة، الى المشاهدين ان هم تجرأوا على توجيه اي انتقاد للمرشح ‘الضرورة او الملهم’ او غير ذلك من تسميات، في تقويض بدم بارد لابسط قواعد التنافسية الديمقراطية.

ووصل الامر باحد ‘المذيعين الامنيين’ في مصر الى التحذير من ان اي كلمة انتقاد ستعد نوعا من ‘اللعب بالنار’، وبالفعل فضل المشاهدون السلامة، وجاءت كافة الاتصالات للبرنامج مشيدة بمرشحه.

اما السياسيون والنشطاء المعارضون، فتم تخصيص احد البرامج في مصر لترهيبهم باذاعة التسجيلات الهاتفية لبعضهم مع التلويح طبعا بأن ‘ما خفي اعظم’ من اسرار شخصية، في جريمة يومية على الهواء، لم تتحرك النيابة العامة لوقفها برغم عشرات البلاغات والشكاوى.

وفي اجواء من المزايدة سعيا الى ‘بطولة مجانية’ قرر بعض الاعلاميين التحول الى ‘زعماء سياسيين’ لالقاء خطب عصماء لا تتورع عن التحريض المباشر، والتدليس بل والردح السياسي، او اهانة بعض مؤسسات في الدولة، كالسلطة القضائية لـ’بطئها وتقاعسها’ عما تسميه ‘العدالة الناجزة’ في التعامل مع القضايا الامنية، وهو ما يعني عمليا الدعوة الى اخذ الثأر مباشرة من المتهمين المفترضين في اي هجوم. وبالفعل سرعان ما تتحول هذه ‘الهستيريا الاعلامية’ الى هجمات انتقامية ضد اناس ابرياء لمجرد الظن بانهم محسوبون فكريا او عائليا على اولئك المتهمين.

وبالفعل تمكنت هذه ‘اللوثة الاعلامية’ من اجبار السلطة التنفيذية في مصر على اصدار قرار باعتبار جماعة ‘الاخوان’ ارهابية في شهر كانون الاول/ديسمبر الماضي، رغم انه جاء بعد يومين فقط من اعلان المتحدث باسم الحكومة انها قانونا لا تملك هذا الحق. وبالفعل لم ينشر القرار حتى اليوم في الجريدة الرسمية، ما يجعله في حكم المنعدم.

وفي خضم هذا الصراع الشرس على التقرب من النظام الجديد او نسب المشاهدة والاعلانات، اصبح كل شيء مباحا، بل ان استضافة راقصة لتجلس على مقعد سياسيين ومرشحين رئاسيين ومحللين قد يكون ‘اقل اهانة وامتهانا للمهنة’ واصولها مما يحدث في برامج اخرى حتى تلك التي تقدمها راقصات او مطربات، ناهيك عن شيوخ محسوبين على الازهر، وباحثين استراتيجيين (اصبحوا لا يبحثون حقيقة الا عن المال) اكتشفوا فجأة جميعا ‘مواهبهم’ في العمل كمذيعين (..).

اما السؤال الذي لا يبدو انه مطروح اصلا: اين ميثاق الشرف الاعلامي الذي تبنته الدول العربية في اجتماعها الشهير بالقاهرة قبل ست سنوات، والذي نصت عليه ‘خارطة المستقبل’ واخيرا تضمنه الدستور المعدل في مصر؟ اما الاجابة فربما تكون انه في غياب اي امل حقيقي في ان تتحرك انظمة مستفيدة من هكذا اعلام فاسد لتقويمه، فانه لا بديل من ان يتحمل المتلقون مسؤوليتهم بممارسة حقهم وواجبهم في اختيار ما يشاهدون.

وبكلمات اخرى مطلوب ربيع اعلامي عربي يعيد الاعلام السياسي الى دوره الضروري في هكذا مفترق حاسم، بعيدا عن اثير اصبح بعضه يشبه ‘سوق نخاسة بلا حدود’.