جلسة عابرة مع الأستاذ سيد محمد ولد محم |
الخميس, 20 نوفمبر 2014 21:07 |
عبر احد الاصدقاء وبالصدفة تيسرت لي جلسة عابرة مع رئيس الحزب الحاكم الاستاذ سيد محمد ولد محم .. كانت جلسة نادرة مع مثقف اصيل تستحق ان تخرج من إطارها كجلسة مع فاعل سياسي إلى مستوى يسمح بنشرها كجلسة فكرية وحفريات بعيدة في الذاكرة والتراث العربي الاسلامي مع مفكر اختطفته السياسة من مكانه الطبيعي وحرمت المكتبة العربية وحرمت النقاش العربي من عقل متقد ورؤية تقدمية ناضجة لاتقوم على قطعية مع التراث ولاتتعاطى بإستلاب مع الحداثة. في ثنايا اللقاء والنقاش فكك الرجل اللبق ازمة المثقف العربي مع السلطة بدأ بلحظة صفين مرورا بتاريخ المعارضات الفكرية والعقلية في التراث العربي والتي حوكمت سياسيا وعقديا وكان نصيبها مقصلة الحاكم العربي وليس انتهاء بنكبة ابن رشد .. متحسرا على أن هذا التراكم من التصفية أنتح قطيعة وعقدة بين المثقف والسلطة وانه آن لهذه العقدة أن تحل وان المثقف معني بتنوير السلطة وتوجيه السلطة وترشيد السلطة وليس معني بالضرورة دائما بمعارضة ونقد السلطة أو التماهي معها والتحول لجسم تبريري مكمل للسلطة .
الرجل الجالس بثقة في مكتبه جال في كل الدنيا حين نظر عن بناء الاوطان واستقرار الشعوب فكان في ابريطانيا حين تكلم عن الامم التي تنهض وتحكم العالم دون الاستناد لثروات طبيعية ، وكان في اليابان حين تكلم عن الإصرار والتحدي والقدرة على تصدر اقتصادات العالم رغم انف الطبيعة التى ألقت باليابان على أرخبيل من الزلازل ، وكان في الصين حين أستحضر أهمية المكان وأهمية الجوار وأن الصين رغم كل ما وصلت له محاطة بنمور آسيا وعاجزة عن بناء أسواق قريبة وتضطر لعبور نصف الكرة الأرضية بحثا عن أسواق لمنتجاتها .. إنها مقاربة عبقرية يختزل فيها الرجل أهمية إرادة الإنسان وأهمية المكان وضرورة إستخدامه مع كل الإمكانات التي يقدمها في سبيل بناء نهضة وشق طريق بين الأمم، ولم تغب مسحة من الأسى عند الرجل حين تكلم عن العراق وعن ليبيا وعن الشعوب التي تفشل في حماية مقدراتها وثرواتها ليس بالجيوش والمواجهة لكن من خلال عجزها عن بناء رؤية واضحة وتحديد خيارات..ويخلص إلى ان تلك النهاية هي النتيجة الحتمية لكل العاجزين عن مواكبة تحولات العالم وطبيعة الصراع على مستوى أقطابه وفاعليه .
مستوى إطلاع الرجل غير محدود وقراءاته في كل مجال واهتماماته مختلفة ومواكب ممتاز لجديد ما يكتب وينشر حتى في مجالات بعيدة عن نقاش المثقفين الموريتانيين فحين استغرقه التنظير في مستقبل عالم مابعد النفط كطاقة رئيسية وبدأ يتحدث عن البدائل الأخرى تحدث في الاستراتيجية وعن قدرة موريتانيا ان تكون نافذة بحرية لكل فضاء الساحل الممتد من السودان إلى هنا حيث اﻻطلسي ، ولها ان تلعب هذا الدور بجدارة بحكم قدرتها البحرية وتميزها بنافذة بحرية بعيدة عن المضايق ..إنها متابعة جادة من الرجل لجديد مايكتب في الإستراتيجية الدولية، فتناول موضوع كهذا لايتأتى فحسب من خلال إطلالة بسيطة على الخريطة أو تتبع بسيط لمايكتب عن أزمات المنطقة إنه التخصص أو الإطلاع الحقيقي .
وعندما رجع للوطن ما احلى الرجوع إليه تكلم بإعتزاز عن إسهام الشناقطة وتاريخهم ودورهم في إثراء الحضارة العربية والإسلامية في مراحل ضعف سابقة ، رغم اعتقاده بأن الجغرافيا لم تكن كريمة بما فيه الكفاية وأننا في المكان الخطأ .. إنه نقاش لايود الإستمرار فيه ، فأي مجتمع في اي مكان بالإرادة وبالتحدي يستطيع الإستمرار ويستطيع النهوض ويستطيع إستعادة كل روابطه التاريخية من خلال جسور متينة تصل المستقبل ولاتلغي الماضي .
وحين ضاقت دائرة النقاش تذكر الرجل منصبه السياسي وتكلم بصدق عن ازمة الحزب الحاكم اي حزب حاكم في الدنيا وطبيعة علاقة الناس به وطبيعة تعاملهم معها ..وعن غياب مفهوم اصيل في السياسة وهو القناعة والتطوع وان تعاطي الناس مع هذه الاحزاب ليس بمنطق السياسة الذي عهد وتشكل وعيه عليه ، إنها الثقافة الموروثة والتي تنظر للحزب الحاكم انه مؤسسة إدارية تابعة رسميا للسلطة ترعى من خلالها بعض المصالح التي تكرس نفوذ السلطة ، إنها وجهة نظر يقول الرجل وثقافة متراكمة لا أستطيع تجاهلها ولا أستطيع التعامل معها ، إنها ثنائية بائسة لكن لايوجد مستحيل وضخ دماء جديدة وبناء رؤية جادة تتكئ على مشروع وخطاب وطني قد يكون طوق نجاة للخروج من هذا الإرث العقلي المترسخ في الأذهان .
ختاما إن دردشة كهذه لن توفي الرجل حقه ولن يكون في وسعها وبمدركات بسيطة كالتي أمتلك أن تقدم كل رؤية الرجل وتصوره للأشياء لكنها قد تكون بادرة لدعوة الرجل لإجراء حوارات أكثر يتحرر خلالها من منصبه السياسي ويتكلم بصفته مثقفا أصيلا وقارءا كبيرا ،وصاحب رؤية إصلاحية نتفق معها أو نختلف جديرة بان تقدم وأن تكو محل نقاش عقلي ومعرفي ... شكرا للصدفة التي رتبت هذا اللقاء مع قارئ بهذا الحجم ومثقف ضليع بهذا المستوى . بقلم الأستاذ محمد المختار |