التعديلات بين الممكن والمستحيل
الاثنين, 09 مارس 2015 15:40

altآراء الكتاب- محمد إسحاق ولد حرمة ولد ببانا

ترددت كثيرا قبل كتابة هذه الأسطر ليس لصعوبة الموضوع ولكن للحيرة التي سببها لي خبر إمكانية تعديل دستوري للزيادة في مدة مأمورية الرئيس. وحتى لما عقدت العزم بإعطاء وجهة نظري في الأمر لم يراودني قلمي وكأنه

 يتمرد علي لأن الأمر يتعلق بأداء قسم، والقسم الذي عادة ما يجعل كلمات الله الحسنى الله العلي العظيم. فهل يمكن للإنسان أو الفرد أن يتراجع عن قسمه مقابل الحفاظ على الأمور الدنيوية والبقاء فيالكرسي ، هل يمكن التراجع عن القسم الذي أداه الرئيس لكل رجال ونساء وأطفال وشيوخ موريتانيا

هناك من سيقول على أن أداء القسم يمكن التراجع عنه بوجوب أداء التكفير بإطعام عشرة مساكين ولكننا هذا بصدد التكلم عن إمكانية تراجع رئيس دولة عن قسم أداه للعديد من الأشخاص فهل في هذه الحالة سيؤدي فدية لجميع الموريتانيين أم سيقدم لهم اعتذار...

أنا لست بفقيه ولن أدعي الإفتاءلفعل ما يجب في حال التراجع عن أداء القسم ولكن أداء القسم هو التزام لكلمات الله الحسنى نحو شعب أعطى في بوم من الأيام ثقته للرئيس. أليس من شأن التراجع عن القسم شيء سيفقد الثقة في جميع المؤسسات؟

بالنسبة لي الخوض في نقاش فاتوني في هذه المسألة لن يكون مجديا طالما تم التراجع عن الوفاء بكلمات الله لحسنى فما بالك بمقتضيات دستورية وضعها الإنسان.

ورغم ذلكوفي إطار مواكبة النقاش حول التعديلات الدستورية التي يمكن أن تطرأ على الدستور الموريتاني أريد هنا أن أدلو بدلوي في الموضوع

يعرف الدستور أن هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة ونظام الحكم وشكل الحكومة وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة.

فالدساتير ليست قوانين جامدة حتى وإن وصفت بأنها دائمة ولكن هي دائمة إلى حينالتغيير.

والدستور الموريتاني الذي جاء بعد فترة شهدت فيها البلاد نظام الحكم الواحد وتم فيها قتل روح التناوب على الحكم، بل إن البلاد كانت ذاهبة إلى توريث الحكم لإبنالرئيس السابق. لذا وبعد الإطاحة بنظام حكم ولد الطائع تم وضع دستور يؤسس لنظام جديد يقوم على أساس ديمقراطي ويستشف من روح بعض مواده رفضه لاحتكار السلطة من طرف شخص أو نظام معين.

فالمادة 24 من الدستور تنص على أن رئيس الجمهورية هو حامي الدستور وهو ملزم باحترامه وعدم تجاوز نصوصه والانضباط إليه طبقا للقسم الدي يؤديه أمام عدة مؤسسات دستورية بل يذهب الدستور بعيدا في القسم حين يلزم رئيس الجمهورية بعدم اتخاذه أو دعمه لأية مبادرة بصفة مباشرة أو غير مباشرة القصد منها تغيير مدة مأمورية الرئيس أو شروط التجديد الواردة في المادتين 26 و28 من الدستور.

ونظرا لخطورة الآثار التي يمكن أن تترتب على تعديل الدستور فإن الدساتير تحاط بكثير من الإجراءات لتكفل عدم إساءة استعماله وتضمين جدية اللجوء إليه لذا لجأت الكثير من الدول إلى عدم جواز إجراء على تعديل نصوص معينة في الدستور على غرار الدستور الموريتاني. فالدستور الفرنسي نص على عدم جواز تغيير شكل الحكم الجمهوري. وفي الدستور الألماني هناك المادة 79 التي تمنع تغيير بعض المواد مثل المادة الأولى والمادة 20 وهو نفس ما ينص عليه الدستور الإيطالي في المادة الأخيرة من دستورهم بأن "الجمهورية" لا يمكن أن يتم تعديلها والمادة 60 من الدستور البرازيلي تنص صراحة على أنه لا يمكن إجراء أي تعديل دستوري ينال أربعة أنواع من المواد.

وكذلك الدستور الكويتي نصت المادة 175 منه لعام 1962 على عدم جواز اقتراح تعديل الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت.

وينص الفصل 175 من الدستور المغربي: "لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي وبالنظام الملكي للدولة وبالاختيار الديمقراطي .......الخ كما أن الدستور البحريني يمنع تعديل المبادئ المنظمة لحقوق الإنسان منعا باتا.

وعليه فإن أي تعديل لا يمكن أن يطال أي مادة ينص الدستور الموريتاني على عدم جواز تعديلها فالفقرة الثانية من المادة 29 من الدستور والمتعلقة بالقسم الذي يؤديه الرئيس المنتخب قبل تسلمه لمهامه يقسم فيه ألا يتخذ أو يدعم بصوره مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من الدستور.

وكلمة "لا يجوز" الواردة في القسم هي مرادفة في الاصطلاح للتحريم ومن تتبع إطلاق هذا اللفظ " لا يجوز" في كلام الأئمة يدرك أن غالب ما يعنون به هو المحرم.

فالنظام الموريتاني هو نظام جمهوري وأية مبادرة لتعديل الفصلين 26 و28 أو إن كانت غير جائزة قانونا طبقا لمقتضيات المادة 99 من الدستور وشرعا وقانونا طبقا للقسم في الفقرة الثانية من المادة 29 هي محاولة لتحويله إلى نظام شبه ملكي وذلك بجعل مدة الرئاسة مفتوحة أو الزيادة في عددها وأن المنع الوارد في الدستور الموريتاني أو الكثير من دساتير البلدان الديمقراطية له أثر إيجابي في حماية الحقوق والحريات والوقوف في وجه الاستبداد.

أما المادة 99 من الدستور الموريتاني فهي واضحة وضوح الشمس وليست حمالة أوجه فهي لا تمنع أو تحرم التعديل فقط بل تمنع حتى الشروع في أي إجراء يرمي إلى التعديل والشروع هي الأفعال التي تأتي بمعنى ابتداء أي بدء العمل والأخذ به.

من هذا كله يستنتج أن أي محاولة لمجرد طرح فكرة نقاش حول مدة ولاية الرئيس غير جائرة ومطعون فيها قانونا وشرعا وأن الحوار المزمع إجراؤه بين الفرقاء السياسيين يجب أن يسهر على التطبيق السليم للدستور وأية محاولة لترضية طرف ما ستكون على حساب ما قرره الشعب الموريتاني في تصويته بنعم على الدستور

 

فيديو 28 نوفمبر

البحث