سورية و الضربة المرتدة |
الأحد, 15 سبتمبر 2013 17:40 |
توقعت في مقالي السابق "سورية و الضربة المستحيلة" أن لا تتحقق الضربة التي لوحت بها أمريكا , و أعتقد اليوم أن السبب كما قلت سابقا هو تصلب الموقف الروسي و رفضه القاطع لتوجيه ضربة للشعب السوري , و قد تجلى ذلك في الظهور الواضح ل"بوتن" في وسائل الإعلام , متهما أمريكا بالكذب , و معلنا دعمه الصريح للجيش السوري في أية حرب سيدخلها , حيث قال بأن روسيا تمد النظام السوري بالسلاح و سوف تستمر في ذالك , تزامنا مع تحرك سفن حربية روسية صوب منطقة التوتر للإنضمام لأخواتها المتواجدة أصلا هناك. و قد كان أوباما مخطئا في تقديره للموقف الروسي , حيث أعلن سعيه لتوجيه ضربة أكيدة , و ذالك إستكمالا للعبة الخداع التي دخلها مع الجماعات المسلحة بدعم خليجي و بمباركة إسرائيلية , حيث تورط المسلحون المعارضون في إستخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين , على أن يتحمل النظام السوري وزر ذالك الجرم عن طريق التلفيق و التحريض الإعلامي و الديبلوماسي . إن الجدية التي أبداها بوتن في عزمه على اللعب في الميدان السياسي و العسكري جعلت من "أوباما" ممثلا من الدرجة الثانية , ملقيا بدور البطولة في أيدي الكونغرس المنقسم , و تأجيل البت بشأن التحرك العسكري إلى ما بعد قمة العشرين التي إتضح ل "أوباما" فيه أن القيصر الروسي ليس مستعدا هذه المرة لتحمل ضربة قاضية لسياسته الخارجية , و تخطي الدور الروسي المتنامي كقوة عالمية بدأت تستعيد عافيتها و تبحث عن موطيء قدم على مسرح الأحداث . و خلال هذه القمة إقتنع "أوباما" بأن لاحرب في ظل الغضب الروسي , قد تدفع "القيصر" لتمكين الجيش السوري من الصمود في وجه الضربة بتحريك صفقات السلاح و الدعم الإستخباراتي و المالي. ولكي يخرج "أوباما" من الورطة الروسية طلب من "القيصر" الضغط على النظام السوري لإبداء مرونة زائدة في مواقفه حول التنازلات من أجل الإستهلاك الإعلامي و لكي يكون ذالك مبررا لإعلان الولايات المتحدة فشلها في ثوب إستكانة سورية , الشيء الذي قبله النظام السوري , بعد إلتزام سري من روسيا بتعويض الدولة السورية عن خسارة سلاحها الكيماوي مباشرة عند إستتباب الأمن في الربوع السورية بما يكفيها شر إسرائيل الت يعتبرها الروس واجهة للقطرسة الأمريكية في المنطقة , بالإضافة إلى إطمئنان السوريين إلى أن "إيران" يمكن أن تعوضهم بأسلحة أشد فتكا و في أي وقت و عبر المنافذ التي تتعاون عن طريقها الدولتان. كل هذه الأشياء يمكن إعتبارها هزيمة للموقف الأمريكي و إنحسار لنفوذها أمام المد السوفيتي المتجدد , و تخلي واضح منها عن "أحجار الدومينو" من المسلحين و أمراء الحرب و المستنفرين . واهم جدا من يظن أن السلاح الكيماوي السوري لم يذهب جزء كبير منه إلى مخازن حزب الله , و واهم أيضا من يظن أن سورية ستبتعد عن السلاح الكيماوي , فالروس و الإيرانيون لا شك أعطوا إلتزامات جدية ل"دمشق" بتعويض كل ما ستخسره بهذا التنازل , في ظل تخوف الجميع من أن تقع تلك الترسانة في أيدي المتشددين و أن لا يقدر أحد على التحكم بها في الوقت الذي يجد الجيش السوري صعوبة في تأمينها , معتبرا أن التخلي عنها في هذه الظروف تنفيسا له في حربه الطويلة هذه . إن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتأقلم مع الظروف الدولية المتغيرة بسرعة كبيرة , و التي تشهد صعودا سريعا لدول تتغير منظومة التأثير لديها بصورة ملفتة, فبالإضافة لروسيا هناك العملاق الصيني الذي أشهر "الفيتو" أكثرمن مرة في عدم إستحياء واضح من الهيبة الأمريكية , لأن الصين هي الأخرى تعمل وفق مصالحها في المنطقة المربوطة بالطاقة الإيرانية التي تعتبر أكبر مستورد لها , ولا يخفى أبدا على الصين الترابط الرصين في المصالح الإيرانية السورية . سوف يكتمل السيناريو الكيماوي , و يبتلع "أوباما" خيبته في شكل ضربة مرتدة , و تعمد أمريكا إلى تجفيف منابع السلاح و المال الذي يصل للمسلحين من جميع أنحاء العالم , و خاصة من دول الخليج , و تخف ضراوة القتال بتحقيق الجيش السوري تقدما على الأرض , لتظل سورية فترة طويلة تعاني الصراع , حتى ينصرف أولئك المقاتلون إلى مناطق أشد توترا سوف تظهر حسب المتيغرات في المصالح الغربية. الأستاذ : حمزه المحفوظ. |