التابع والمتبوع
الأحد, 17 مايو 2015 10:11

والآن لنستطرد في مسألة التبعية والطّاعة العقلية. ولقد بالغتُ عندما ذهبتُ إلى أن التابع يُمكِّنُ المتبوعً من رقبته بلا إعمال نظر. 

والآن لا بُدّ من ترتيب هذا. فالنمطية الدارجة ترى أن الشرعية من الفقيه وتشريع تلك الشرعية هو من الجمهور.

الأول تقرير والثاني تنفيذ. وطبعاً لا نُسلِّمُ بهذا مبدئياً، وتحديداً لا نُسلِّمُ به على علاته.

ولكنه يفتحُ لنا باباً للخوض في تأهيل الفقيه عى مستوى الشعبية. والحقيقة أن أشياء عجيبة تحدُثُ هنا.

فـ"العامي" يتعاملُ مع الفقيه كتعامله مع نجوم السينما أو مع الديكتاتور. ينجحُ نجم السينما في إقناع العامي أنّ عظمته في الشاشة هي نفس عظمته في الواقع وأن صفاته من ذاته وصورته من حقيقته.

وعندما يرتكبُ نجم السينما جريمة، في الحقيقة لا في الصورة، فإن العامي يتعاطف معه، ويرى أنّه مظلومٌ في الحقيقة كما في الصورة.

وينظر العامي إلى قِصصِ الحاكم التي سرّبَ عن نفسه ودعايته التي أقام لذاتِه فيستنتِجُ من ذلك أن الديكتاتور رجلُ عظيم أما فسادُ دولته فمن بطانتِه. أي أنه، بعكس نجم السينما، فساده من صورته ومجده من حقيقته. وهكذا يتحوّلُ الدعاء من الخلاصِ من الحاكِم إلى الدعاء برزقه البطانة الصالحة.

وهذا نفس دأبِ العاميِّ مع الفقيه. فالفقيه قد يدعم ظالماً أو يضربه سهرُ الليالي فيطلِق أسطورة أو ينفُثَ تحشيشة كـ"إرضاع الكبير" أو "تفخيذ الصغير" أو "مضاجعة الميتة". وطبعاً عندا تقوم الضجة فإن العالِم لن يتراجع لما في ذلك من تعريضٍ بعقله. وطبعاً ليس العاميُّ مخدوعاً دوماً؛ ولكنّه يلجأ إلى ترتيب عجيب.

فيقولَ لعلّ المُفتيّ لم يفهم السؤال! المشكلة ليست منهُ وإنّما من المستفتي.

هنا يبدأُ التّحشيش؛ لأن الافتراض هو أن الفقيه، الذي لا يقدِرُ على استيعاب السؤال، مع أن الاستيعاب أدنى مدارك التواصل، قادر على تحقيق المناطِ منه، وذلك هو أعلى مراتب الفهم! وهكذا يتحوّلُ العالم في نظر العامي إلى حاسوب: إنّه بلا ذكاء اجتماعي ولكن ذكاؤه التحليلي أسطورة. يمكن خداعه؛ ولكن لا مغمز في عقله. ونظرية حاسوبية الفقيه هي نظرية تكميلية لنظرية "لحم العلماء مسموم"؛ فالأخيرة تضمن عرضَ العالِمَ ولكنها لا تضمن عقله.

ولكي يُضمنَ عقله لا بُدّ من القولِ إن ما يظهرُ من عقله ليس حقيقته؛ بل حقيقته غائبة ومستترة. إن سُمّ لحم العالِم يعطيه فضاءً حُراً للعمل ويُقيمُ سياجاً كهربائياً حول مزرعته ويُصهصِهُ عنه الطِّغام؛ أما حاسوبية عقله فتُسوِّقُ إنتاجه في الجمهور وتقيم أسواقه وتعفي بضاعته من الجمركة وتُعطيها حرية الحركة.

والله أعلم!

--------------------

من صفحة الأستاذ عباس ابرهام على الفيس بوك

فيديو 28 نوفمبر

البحث