قطر تتجه للتصعيد وتقول “لن نرضخ” وخطبة القرضاوي الجمعة ستوضح الكثير اذا تمت
الجمعة, 07 مارس 2014 12:00

atwan-555.jpg44عبد الباري عطوان: عندما تعلن مصادر مقربة من الحكومة القطرية لوكالة انباء “رويترز″ العالمية ان قطر “لن ترضخ” لمطالب الدول الثلاث التي سحبت سفراءها امس من الدوحة ولن تقدم على تغيير سياستها الخارجية، فهذا يعني انها ستستمر في دعم الاخوان المسلمين

 في مصر والجماعات الاسلامية في سورية، ولن “تلجم” قناة “الجزيرة” التي تناصب السلطات المصرية التي اطاحت بالرئيس محمد مرسي العداء المطلق، وستحرص على استضافة الشخصيات المعارضة لرجل مصر القوي المشير عبد الفتاح السيسي في الدوحة وتقديم الملاذ الآمن لها.

 

 

وبلغ التحدي القطري الذي عبرت عنه المصادر نفسها ذروته عندما قال “قطر لن تتخلى عن استضافة اعضاء من جماعة الاخوان المسلمين بمن فيهم الدكتور يوسف الفرضاوي والذي ينتقد السلطات السعودية والاماراتية والمصرية في خطبة كل يوم جمعة من على منبر جامع عمر بن الخطاب في قلب العاصمة القطرية.

 

 

وما زال من غير المعروف ما اذا كان الشيخ القرضاوي سيعتلي منبر المسجد نفسه ظهر الجمعة ويلقي خطبته كالمعتاد، فقد تغيب عن الخطابة الجمعة الماضية دون ذكر الاسباب، بينما اظهر لهجة تنطوي على الكثير من التحدي والسخرية من دولة الامارات العربية لانها لم تحتمل بضعة كلمات منه اشار فيها الى معاداتها، اي الامارات للحكم الاسلامي، وانتقد المملكة العربية السعودية دون ان يسميها بسبب ضخها المليارات للسلطات المصرية التي اطاحت بالرئيس مرسي في انقلاب عسكري، الامر الذي فجر ازمة سحب السفراء الحالية وتأزيم العلاقات بين قطر والدول الثلاث.

 

 

القاء الشيخ القرضاوي لخطبته الجمعة، وتطرقه مجددا الى الامارات والسعودية وقرارها الى جانب البحرين بسحب السفراء من الدوحة، سيكون بمثابة “اعلان حرب” من قبل دولة قطر، لانه بات من المعروف ان اي خطوة يقدم عليها هذه الداعية المخضرم تأتي بايعاز من السلطات القطرية العليا، وربما بتوجيه منها، ويقول اصحاب هذا الرأي ان بث التلفزيون الرسمي القطري لخطب الازمة هذه على الهواء مباشرة هو تأكيد اضافي.

 

 

رفض قطر، شبه المعلن وغير المباشر، التجاوب مع مطالب الدول الثلاث بتغيير سياستها الخارجية بما يتلائم مع مواقف مجلس التعاون الخليجي خاصة تجاه تطورات الاوضاع في مصر، وتمسكها بدعم حركة الاخوان المسلمين، واستخدام المصدر الرسمي القطري كلمة “لن نرضخ” في حديثه لوكالة “رويترز″ سيفسر على انه تصعيد من جانبها قد يؤدي الى المزيد من التأزيم، واغلاق الابواب امام فرص الوساطة لازالة الخلاف قبل ان توارب، وتحريض الدول الثلاث على اتخاذ المزيد من الاجراءات ضدها.  

 

***

 

 

من يعرف امير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن قرب، يدرك جيدا انه، وبسبب اعتداده بنفسه، ومواقفه غير الودية تجاه جاراته الثلاث السعودية والامارات والبحرين، يدرك جيدا انه لا يميل الى التهدئة، ولا ينحني اما العواصف وخاصة اذا كانت الشروط مهينة في طابعها، فهو ما زال الحاكم الفعلي للبلاد، ويتعاطى بشكل مباشر مع القضايا الاستراتيجية، والخليجية منها بالذات، ولكن من خلف ستار ويترك القضايا الاقل اهمية لابنه الشيخ تميم ومجموعة الوزراء المستشارين المحيطة به.

 

 

ومن يعرف العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في المقابل يدرك ايضا ان الرجل بطبيعته البدوية، وشخصيته القوية، واعتزازه بنفسه، وعنفوانه في المواقف خاصة عندما يغضب، اي العاهل السعودي، ربما يرى في المواقف القطرية المتحدية استفزازا شخصيا له، خاصة انه المهندس للمصالحة مع قطر قبل خمس سنوات، وخالف راي اشقائه، والجناح السديري في العائلة بالذات، عندما نسج علاقة شخصية مع امير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة، واوقف مخططا اعده شقيقه وزير الدفاع ولي العهد المرحوم سلطان بن عبد العزيز للصدام عسكريا مع دولة قطر بسبب بث قناة “الجزيرة” حينذاك ، برنامج “سوداء اليمامة” الذي يتحدث عن عمولاته وابنائه الضخمة من صفقة اسلحة “اليمامة” مع بريطانيا التي بلغت قيمتها حوالي سبعين مليار دولار في فترة الثمانينات.

 

 

المكالمة الهاتفية التي اجراها الشيخ تميم بن حمد امير قطر الشاب مع السلطان قابوس بن سعيد اليوم ربما تعطي بعض الامل للذين يراهنون على تسوية هذه الازمة بسرعة وعبر القنوات الدبلوماسية ولكن علينا ان نتذكر علاقات سلطنة عمان مع السعودية ليست جيدة بعد رفض الاولى ضيفة الاتحاد التي تريدها الثانية بديلا عن مجلس التعاون، ففي ظل غياب امير دولة الكويت الشيخ صباح الاحمد في امريكا حيث يتعافى من عملية جراحية “كبرى” لم يبق الا السلطان قابوس الذي يمكن ان يقوم بدور الوسيط، خاصة ان له باعا طويلا في هذا المضمار، فهو الذي ادت وساطته بين ايران وامريكا للتوصل الى اتفاق حول البرنامج النووي الايراني وجرت المفاوضات السرية الامريكية الايرانية التي استمرت ستة اشهر في العاصمة العمانية مسقط، كما انه توسط قبل ذلك في نزاعات اخرى من بينها مثلما يتردد حاليا، النزاع الاماراتي الايراني حول الجزر الثلاث التي تحتلها ايران، ويقال انه نجح فعلا في التوصل الى تسوية مرضية للطرفين، اي ان تعود الجزر للامارات بينما يظل محيطها المائي جزءا من السيادة الايرانية والله اعلم. استمرار الازمة، في ظل التجاذب الحالي والحرب الاعلامية بين اطرافها قد يؤدي الى المزيد من التدهور، وهناك من يتحدث في الدول الثلاث التي سحبت سفراءها عن اغلاق الحدود والاجواء الجوية، ولكن الخطوة التالية المتوقعة في اي يوم اغلاق مكاتب قناة “الجزيرة” في الدول الثلاث وربما التشويش على بثها ايضا، وهناك من يقول ان العاصفة الكبرى آتية وان الهدوء الحالي المحدود هو تمهيدها.

 

 

  ***

 

دولة قطر تتحسب وتأخذ احتياطاتها على عجل لمواجهة اي اجراءات اخرى ضدها من الدول الثلاث، فقد طار وزير خارجيتها خالد العطية الى طهران عارضا تطوير العلاقات مع ايران في “مناكفة” واضحة للدول الثلاث، وتردد في صحف مقربة للسعودية والامارات ان الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية السابق طار الى اسلام اباد قبل ثلاثة ايام في زيارة سرية عارضا على حكومتها قيام تحالف ثلاثي قطري تركي باكستاني في مواجهة المثلث الاماراتي السعودي المصري، وان باكستان التي تربطها بالسعودية والامارات علاقات تحالف استراتيجية اعتذرت للمبعوث القطري بادب جم عن عدم القبول بالعرض.

 

 

وكان الشيخ حمد بن جاسم قد جرى تجريده من كل مناصبه بعد تولي الشيخ تميم عرش قطر بعد تنازل والده له، وسط انباء مؤكدة عن وجود خلافات بينه وبين الامير الجديد انعكست في عدم تقديمه، اي حمد بن جاسم، البيعة للامير الجديد للشيخ تميم اسوة بشيوخ آل ثاني الآخرين والشخصيات القطرية من خارج الاسرة وبعض المواطنين العاديين.

 

هل عودة الشيخ حمد بن جاسم الى العمل السياسي اذا صحت الروايات حول ذهابه الى باكستان، تعني توجيه رسالة الى المعسكر السعودي الاماراتي البحريني بان العائلة الحاكمة في قطر موحدة كلها خلف الشيخ تميم ووالده “المرشد الاعلى” الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني؟ وان كل ما قيل عن انقسامات وخلافات عار عن الصحة.

 

 

الخليجيون يفهمون بعضهم البعض جيدا، ولهم لغة تواصل دبلوماسي خاصة بهم تنعكس في الشفرات الواردة في رسائلهم وايماءاتهم وحتى كيفية جلساتهم، ولا شك ان الكثير من الرسائل والاشارات ستظهر على السطح في الايام المقبلة، وسيحاول الكثيرون فك رموزها وطلاسمها ونحن منهم، ولكن ما يمكن قوله في الوقت الراهن، ان خلافات مجلس التعاون التي كانت دائما ملتهبة، والحدودية منها بالذات، لم يعد من الممكن اخفاؤها من خلال الابتسامات والتصريحات التي تؤكد دائما ان كل شيء على ما يرام في البيت الخليجي.