أقمنا بيوت العزاء لهم.. أما قتلانا فلا بواكي |
الثلاثاء, 20 يناير 2015 00:37 |
صالح عوض أن نمتلك احساسا انسانيا متعاطفا مع الانسانية المعذبة المنكوبة فذلك من الشيم النبيلة والقيم الفاضلة.. وأن تنهمر دموعنا تعاطفا مع ام فقدت ابنها في التشيلي او البرازيل او باريس ولندن فذلك شعور انساني حميد.. وان نبدي تعاطفا مع بشر يتعرضون لقتل وابادة بغض النظر عن دينهم وموطنهم فإن هذا سلوكا انسانيا محترما. لكن ان تصيبنا البلاهة والخبل لتتحول مشاعرنا سلعة وأداة في مخطط سياسي وامني مشتبه به وملتبس بالباطل وبعض الحق فإن ذلك يعني اننا اصبحنا ندور في فلك الطبالين الزمارين الكمبرس المطلوبين لتزيين المشهد الاستعماري.. وقد فقدنا مبررات الوجود الانساني.. من الغريب ان يهب كثير من الاعلاميين العرب والمسلمين لإقامة بيوت العزاء وتسيل قرائحهم بكلام لا انقطاع فيه رثاء وبكاء وعويلا وتقديم كل ما من شأنه ان يستجلب مودة الفرنسيين حتى ولو كان ذلك بسب الأمة وشتم تاريخها ولسان الحال يقول: فرنسا ايتها الحبيبة عفوا لا تحسبينا منهم ولا تحسبيهم منا، فهؤلاء ليسوا مسلمين وان كانوا مسلمين فنحن لسنا بمسلمين.. فرنسا ايتها الحبيبة هذا هو الجهل والتطرف والعنصرية والشر والجريمة والارهاب، حيث لايقبل بوجهات نظر مخالفة ولا يرضى بالتعايش الانساني.. فرنسا ايتها الحبيبة في كل بيت من بيوتنا عزاء وفي حلق كل منا غصة وعلى جبين كل منا كآبة، ولا نملك الا ان نعلن حدادنا على ضحاياك الاعلاميين.. فرنسا ايتها الحبيبة انهم يستهدفونك لأنك ام الحريات ولأنك نموذج التعايش. اجل اقام اعلاميون وكتاب عرب بل وعلماء دين مسلمون بيوت عزاء لما حصل في فرنسا من مقتل عدد من الصحفيين والمواطنين في عملية لازالت اسرارها مطوية في دهاليز المؤسسة الامنية الفرنسية.. وعلى وجه السرعة كان لابد من التعزية في رفاق المهنة وادانة ان يكون الرصاص في محل الكلام.. نقول هذا الموقف لنقطع الطريق عن كل من حرّف منهج تحليلنا عن غاياته. لكن ان صدقت الرواية الفرنسية الرسمية بأن هؤلاء اسلاميون متطرفون قاموا بفعلتهم لأن تلك الصحيفة وجهت اساءات للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإن هذا يحمل الحكومة الفرنسية مسؤوليات سياسية واخلاقية كبيرة ويضعها هي والمؤسسة القضائية تحت طائلة المساءلة التاريخية والقانونية، لانه يكشف خللا في المعايير اسّس لحالة العنف والتوتر في داخل المجتمع الفرنسي.. فلقد اصبح معروفا بأن المسلمين الفرنسيين جزء لا يتجزأ من المجتمع الفرنسي وانه ينبغي ان تتم نحوهم الاجراءات نفسها التي تتم ازاء مواطنيهم من الديانات الاخرى.. ومن المعروف ان المسلمين الفرنسيين قدموا خدمات جليلة في الدفاع عن فرنسا ضد محاولا ت الغزو، لاسيما في الحرب العالمية الاولى والثانية.. كما ان كثيرا منهم يشغل مناصب عمل حيوية في المجتمع الفرنسي.. ومن هنا ليس للدولة الفرنسية منة عليهم، فهم يقدمون ثمن وجودهم في فرنسا مؤكدين على مواطنتهم بجلاء.. ولكن الادارة الفرنسية بكل فروعها لازالت ترى المسلمين بعين الازدراء والحقار.. ولنضرب مثلا على ذلك يكشف لنا طبيعة النظام السياسي والقضائي في فرنسا.. كلنا يتذكر روجيه غارودي ونعرف جميعا انه قامة فرنسية يعتد بها وانه مفكر وسياسي ضليع ومرشح سابق للرئاسة الفرنسية.. لكنه بمجرد اعلانه إسلامه دخل دائرة التهميش والترصد والملاحقة.. وعندما واصل ابحاثه الفكرية والتاريخية والسياسية كتب عن موضوع عايشه محللا ومدققا ليكتشف ان الهولوكوست مبالغ فيه وان القصد من ذلك التهيئة لمؤامرة تستهدف فلسطين والعرب والمسلمين.. حينذاك ضجت فرنسا الاعلامية والقضائية والسياسية وكتبت أقذع الفاظ الشتم والسباب ضده وعقدت له محكمات ادين فيها بمعاداته للسامية وحوكم بالسجن وغرامات طائلة.. والامر نفسه يلحق بشخصيات فرنسية محترمة عندما تتوصل الى نتائج علمية بعد التحليل عن كون اسرائيل “دولة” عنصرية قائمة على الباطل لدرجة ان القضاء الفرنسي حاكم إسرائيل شامير الصحفي المفكر اليهودي الاسرائيلي بالسجن لأنه هاجم عنصرية اسرائيل في محاضرة له بباريس واصدر كتابا يفند فيه مزاعم اسرائيل.. القي عليه القبض في فرنسا واقيمت له محكمة وسجن في حين لم يسجن على نفس التهمة في الكيان الصهيوني.. وسواه من امثلة كثيرة يفصل أي اعلامي فرنسي مثل آلان دونفير من القناة الاولى الفرنسية لمجرد انه قال ان هناك مطلبا وحيدا للفلسطينين انه وطن.. وهكذا نجد ان الامثلة تكشف عن يقظة استعمارية متمكنة في المؤسسات الفرنسية ضد كل من يمس اسرائيل بحرف او يشكك في الهولوكوست.. وفي المقابل تترك مؤسسة القضاء الفرنسي والمؤسسة الامنية والسياسية كل من يسيء للإسلام وهو ثاني ديانة بأوروبا وفرنسا الى الدرجة التي تسيء الى رمز الاسلام ونبيه.. ولا نسمع الا جملا كاذبة مخاتلة عن حرية التعبير.. وان يتم تشكيل جمعيات تبث الكراهية ضد المسلمين الفرنسيين وتأخذ تراخيصها من الدولة الفرنسية وتباشر في التضييق على المسلمين لدرجة ان فرنسا ام الحريات التي وسعت لكل انواع الحريات بما فيها الشذوذ والانحرافات لم يتسع صدرها ان تغطي امراة شعرها بمنديل وتسن القوانين للمخالفات المالية على كل من تضبط وعلى راسها منديل في جامعة او معهد او مدرسة. فمن ذا الذي زرع الحقد والشر؟ من ذا الذي يفسد الحياة في المجتمع الفرنسي..؟ من الذي همش المهاجرين الجزائريين والمسلمين والقى بهم خارج الحياة وافشى فيهم كل الرذائل؟ من الذي دفعهم دفعا الى الموبقات وترك احيائهم كانما هم خارج حيز المكان والزمان؟ ومع ذلك كيف يمكن تفسير ما قامت وتقوم به المؤسسات الفرنسية في بلاد العرب والمسلمين؟ من قتل آلافهم في ليبيا؟ من اسقط الدولة الليبية؟ من زود العصابات الاجرامية في افريقيا ضد المسلمين؟ من الذي شق السودان؟ من الذي قصف لبنان في الثمانينات؟ من الذي زود اسرائيل بمفاعل نووي؟ من الذي يصر على تمجيد الاستعمار؟.. هذه الاسئلة لم تجد اهتماما من المؤسسة الفرنسية الثقافية والاعلامية والقضائية والسياسية كي تجيب عليها، كل من موقعه فتنزع بذلك فتائل الاحقاد والشرور التي يمكن ان تحرق الاخضر واليابس. فلنتخيل ان القضاء الفرنسي اقام دعوة على ساركوزي الذي قبل برشوة من القذافي ومن ثم لماذا قام بما قام به من قتل له بالطريقة التي شاهدناها على شاشات التلفزيون؟ ولنتخيل ان القضاء الفرنسي اقام قضية ضد العنصريين الذين يطالون الاسلام والمسلمين بسوء؟ ماذا لو وقفت المؤسسة الفرنسية لتعتذر عن تزويد فرنسا لاسرائيل بمفاعل نووي وبطائرات مراج التي كانت سببا في احتلال الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة؟ ماذا لو ان فرنسا الثقافية مجدت المناضلين الجزائرين الذين صنعوا للانسانية فجر كرامة وحرية انسانية وان تدافع عنهم على اعتبار انهم ابطال حرية؟ هنا الاف الاسئلة الاستدراكية نطرحها.. لو جاءت الاجابة بنعم لتغيرت معادلات كثيرة ولأصبحت فرنسا من احب بلاد الله للعرب والمسلمين.. ولكن انى لها ذلك والروح الاستعمارية العنصرية هي تلك التي كانت دوما. رغم ذلك كله نسجل ادانتنا لأي عمل عنفي في مواجهة الكلمة وحرية التعبير ونطالب باجراءات قانونية لملاحقة العنصريين لنزع فتائل الاحتراب الداخلي، فهل تدرك المؤسسة الفرنسية مافاتها ولعلنا هنا نريد ان نقول ان الطبالين والزمارين والكومبرس لن يفيدوا فرنسا ولن يفيدوا السلم العالمي بشيء.. نسأل الله الامن والسلام للانسانية جمعاء.. تولانا الله برحمته.
* نقلا عن “الشروق” الجزائرية |