في قضية الحوار الوطني/حمود أحمد سالم محمد راره |
الخميس, 29 يناير 2015 18:39 |
تتجه الأنظار الآن في البلد إلي بوادر جديدة تحمل أملا كبيرا وحاسما في الحياة السياسية إذ إن الجلوس علي طاولة واحدة تجمع كل الأطراف يعتبر من الأوجه الجميلة للديمقراطية. ففي الأسبوع المنصرم تبادلت المعارضة والأغلبية الرئاسية وثائق تبين رؤية كل طرف في مسألة الحوار السياسي. ولاشك أن هذه الخطوة إن ترتب عليها عمل توافقي ينهي التوتر السياسي ويقود إلي تصالح يفضي إلي تمكين كل طرف من لعب دوره إن في المعارضة أو السلطة ستكون بطبيعة الحال انتصارا لموريتانيا دون تمييز. الحوار السياسي المرتقب يطرح في نظرنا العديد من القضايا المرتبطة بالعملية الديمقراطية في الأساس والمتعلقة بتعزيز استقرار البلد والتمكين من تحقيق جو أكثر ملائمة يساعد في الجهود التنموية المقام بها والتي يفرضها السياق ويطالب بها المواطن وتسعي إليها الأطراف المفعمة بالروح الوطنية أينما كان موقعها السياسي. يقول فقهاء الدين إن تكبرة الإحرام هي مفتاح دخول الصلاة والتي بدونها لا ينظر إلي باقي شروط صحة لأن صاحبها لم يدخل فيها أصلا . إذا تجرأنا علي فقه السياسة في هذه المسألة فبمقدورنا أن تعتبر أن القضية الأولي والتي تعتبر مفتاح الحوار الذي لا يصح دونها ولا ينظر إلي باقي عوامل نجاحه أو "صحته" هو الاستعداد بنية صالحة . النية الصالحة هي ما يجب علي كل طرف أن يأتي وقد حسم فيه الأمر. وفي هذا الصدد واجب الأغلبية الرئاسية أن لا تقدم ضمن رؤيتها ما من شأنه أن يحمل شروطا تسعي إلي إقصاء المعارضة وإغلاق الباب أمام مساهمتها في الحياة السياسية. أما واجب المعارضة فهو أن لا تضع هي الأخرى في طرحها شروطا تهدف إلي تعجيز الأغلبية الحاكمة وخلق عراقيل لها تمنع من تطبيق البرامج التنموية المقامة لصالح البلد. إذا استطعنا التوصل لهذا فسنكون قد وضعنا القطار علي السكة ووفقنا في وضع أرضية قوية وسليمة تصحح البداية لأن تصحيح البدايات شرط لتصحيح النهايات. حينما كانت السلطة الحاكمة بزمام الأمور والمتمكنة من الأمر تبدي رغبتها وهي غير مكرهة في الانفتاح والحوار الجاد لنزع فتيل التوتر العقيم الذي يعرقل ولا يقدم فإن بابا هاما من التفاؤل قد فتح. وبالطبع فإن الأمر يعكس بشكل جلي الرغبة الجادة والنية الصادقة. وهذا مطلب أساسي ومهم يحمل مؤشرا ايجابيا يساعد في توفير المناخ الملائم لإنجاح هذا المسعي الوطني الذي غدى ضرورة ملحة ألا وهو الحوار الذي يفضي الي التوافق ويئد فأس الحرب والخلاف العقيم. وسيكون من الخطأ الجسيم والقاتل الذي لا يغتفر أن يفوت الطرف الآخر هذه الفرصة وأن لا يساعد في إبقاء هذا الباب مفتوحا ويسعي بنفس الجدية والاندفاع إلي التعجيل بالتوصل الي الهدف. الواقع أن الشعب مل من لعبة شد الحبل والانجراف في متاهات خلافات لا تقدم وشغل الأذهان بها وكأن المشكل الوحيد هو الانشغال بالاستحقاقات. ووفقا للتجربة فمتى استطعنا أن نجتمع علي طاولة واحدة لنتحاور فإننا سنتوصل بتوفيق الله إلي حل يمكننا من تجاوز الخلافات ويحفظ لنا اختلافاتنا في حدها الطبيعي الذي يشكل مصدر ثراء لا مصدر جفاء. كثيرا ما نقف خارج دائرة اللعبة متفرجين وكأن الأمر لا يعنينا. والواقع أننا مسؤولون كما السياسيين ولدينا واجباتنا في هذا المنحي والتي تفرض علينا المشاركة كل من جانبه لإنجاح أي بادرة للم الشمل وتحقيق التوافق السياسي وترتيب أوراق البيت الداخلي. فالحوار يجب أن لا يقتصر فقط علي الجانب السياسي بل عليه أن يطال كل مناحي حياتنا حتى نؤسس شراكة وطنية مبنية علي الثقة المتبادلة تحقق تصالحنا مع ذواتنا وتعطي الفرصة لمن أوكلنا له أمرنا لإداراته بسياسة رزينة وحكيمة تسعي إلي المساهمة في حل مشاكلنا الحقيقية وتحقيق التنمية التي ننشدها. كما تمنح للطرف الذي يتموقع في الكفة الأخرى بأن يكون المعارض الناصح لا المعارض الناطح. لدينا من التحديات ما يفرض علينا أن نتجاوز خلافاتنا التي لا تتأسس في الواقع علي كبير شيئ فنحن في فضاء صحراوي ساحلي يشهد العديد من بئر التوتر والإرهاب والاتجار بالمخدرات والهجرة السرية. ومحيطنا الجغرافي يطرح هو الآخر تحديات من نمط ثان كالجفاف واتساع رقعة التصحر المخيفة والسريعة ليست أقل خطورة من سابقاتها. وبحكم هذا الواقع يظل السعي إلي كل ما من شأنه أن يساهم في توحيد الصف وتحقيق اللحمة الاجتماعية وعدم العزف علي الأوتار الحساسة واستغلالها سياسيا لمصالح خاصة هو المهماز الذي يحركنا ويدفعنا الي تفهم الآخر والانسجام في إطار اللعبة الديمقراطية النظيفة والقبول بنتائجها. الحوار قضيتنا جميعا وحين لا يجد الساسة قوة من خارج نطاق السياسة والتسيس تدفع بالاتجاه الصحيح فإنه يصبح من الصعب عليهم تجاهل تلك الإرادة الشعبية التي تتولد بفعل وعينا بهمنا الوطني وقيامنا بدورنا المطلوب في هذا الشأن. ويظل الطرف الذي يعمد إلي هذا التجاهل سواء عن قصد أو غير قصد غبيا لا يفقه في السياسة شيئا. سواء تعلق الأمر بالمثقفين أو الناشطين الاجتماعيين أو الحقوقيين أو الصحفيين أو العلماء فإننا في دائرة المسؤولية وعلينا واجب السعي إلي إنجاح أي حوار ينطلق بين الأغلبية والمعارضة وفقا لمواقعنا وما يمليه علينا السياق. إن وقوفنا علي الرصيف نراقب يبعدنا عن القيام بهذا الواجب ويجعلنا خارج دائرة المواطنة الحقة. فالوطن وطننا جميعا ومتى ازدهر وتطور عشنا فيه سعداء وأمنا لأجيالنا القادمة مستقبلا كريما وذلك حقهم علينا.
|