زواج القاصرات في سوريا ضريبة مضاعفة تدفعها الإناث |
الخميس, 18 ديسمبر 2014 23:12 |
«القدس العربي» تعترف شام (27 عاماً) وهو اسم حركي اختارته لنفسها، بفشلها في تربية أولادها الأربعة عدا طفلة قتلت في داخلها، منذ زواجها حين كانت ابنة 14 عاماً فقط. تقول شام لـ «القدس العربي»: «أطفالي لا يأخذونني على محمل الجد مطلقاً، وكلامي غير مسموع عندهم، فضلاً عن كونهم غير مهذبين، وأحياناً أخاف أن يضــــربوني، متابعة «عندما أنجبت أولهم والذي يبلغ من العمر 11 عاماً حالياً كنت طفلة، وفجأة طلبوا من تلك الطفــــلة ان تتحول إلى امرأة متكاملة تربي أطفــــالاً، وهنا بدأ الفصل الأصعب في حياتي وربما لا زال فـــي داخلي طفلة تريد أن تلـــهو أن تتابـــع تعليمها وأن تركض». ورداً على سؤالنا إن كانت سوف توافق على زواج ابنتها عند بلوغها سنها عندما تــــزوجت هي، أجابت قائلة «لا، لن أكرر مأساتي مطلقاً، وسوف أحاول أن أنهي هذه الظاهرة، يكفي أنني عايشتها مسبقاً». وكعادة الحروب، تدفع النساء دائماً الفاتورة الأكبر لها بمقتل الأزواج حيناً، أو بتزويج الفتيات الصغيرات في أحيان أخرى، بيد أن زواج القاصرات موجود أصلاً ومنتشر في كل المجتمعات العربية، إلا أن مفرزات الحرب السورية من انهيار اقتصادي للسكان، وعجز تام من أغلب الأهالي عن تأمين مصادر للدخل، وغياب التعليم كلها أمور أسهمت وبشكل مباشر في تعميق هذه الظاهرة. تغيب الاحصائيات الدقيقة، التي تفيد عن أعداد النساء السوريات، اللواتي تعرضن للاغتصاب، إلا أن الروايات غير الرسمية تفصح عن واقع حال صعب تعيشه النساء في الداخل السوري. وأصدرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» تقرير في شهر تموز/يوليو الماضي، قالت فيه إن السيدات في سوريا تعرضن للاعتقال والاحتجاز التعسفيين، والأذى البدني والتضييق والتعذيب أثناء النزاع السوري من جانب القوات النظامية والميليشيات الموالية لها.
وأشارت «ووتش» في تقريرها إلى أن الـــجــماعات المعارضة للنظام قد ارتكبت بعضاً من هذه الحالات. كما كل تفاصيل الحـــياة السورية المقسمة تختلف مبررات تزويج القاصرات، تبعـــاً للطـــرف الـــذي يسيطر إن كان نظاماً أم معارضــــة، وفي كلا الطرفين هناك مسوغات للقيام بهذا العمل بحسب الأهالي. «ر-ع» (15 عاماً) وتعيش في العاصمة دمشق، تزوجت من رجل يكبرها بـ20 عاماً يقيم في المملكة العربية السعودية، تقول «خوف أهلي علي كان الدافع وراء زواجي، وذلك بسبب المداهمات المتكررة من رجال الأمن، والشبيحة لبيتنا وبشكل شبه يومي». وتتابع، «صار حلم كل الفتيات الخروج من هذه المدينة التي تتوغل فيها العصابات والأجهزة الأمنية، التي لا تتوانى عن التحرش بالفتيات». أما عبدالله، الذي يقيم في الريف الحلبي الخاضع لسيطرة المعارضة، فكان له مبرر من نوع خاص حتى يزوج ابنته التي لم تبلغ الـ15 عاماً، مبينا أنه «من الطبيعي أن تكون الفتاة أمام خيارين، الخيار الأول إكمال دراستها، والخيار الثاني زواجها، والمدارس باتت غير متوفرة في الداخل، ناهيك عن انقطاع الطلاب عنها لمدة طويلة، لذلك لم يتبق لنا أمل بمتابعة الدراسة، فلا بوادر لحل قريب للأزمة، لذلك اتخذنا القرار». وأضاف، «حتى الدوافع الاقتصادية كان لها دور في اتخاذي القرار، فلا مورد اقتصادي ثابت لدينا هنا، وخسارتي للعمل جعلتني أفكر ملياً قبل رفض عرض الزواج، الذي عرض على ابنتي، بالمقابل قد لا يأتيك شاب جيد في كل الأحيان». موروثنا الشعبي العربي، قد يجعلنا نتقبل فكرة زواج القاصر، وأبعد من ذلك قد يدفعنا للتعامل مع هذه الظاهرة، على أنها أمر بديهي، وفطري أيضاً، هذا ما قالته الدكتورة «هنادي الشوا». وأوضحت «يسوغ الكثير منا فكرة زواج القاصرات، عبر استحضار قصص الأنبياء، رغم اختلاف الظرف والمكان، مقابل انتشار أشخاص شرهين لاعلاقة لهم بالثورة ومهتمين بتعدد الزوجات فقط». ولا توجه اللوم إلى الأب العاجز عن إطعام أولاده في بعض الأحيان، بل تلوم الحرب التي تضع هذا الأب بين خيارات قاتلة بحسب وصفها، وهي الرذيلة أو الفاقة. وبحسب «الشوا»، فإن الآثار الاجتماعية لزواج القاصرات غير قابلة للإحصاء، لأن القاصر وبشكل فطري قد تكون صالحة جسدياً للإنجاب والأمومة وغير مكتملة نفسياً وانفعالياً، بالتالي سوف يوجب عدم النضج، مشاكل لا حصر لها، من أهمها تربية الأطفال. مصطفى محمد |