ثقافة الهوية الموريتانية وتحديات العولمة أي مستقبل؟؟ |
الأحد, 01 سبتمبر 2013 14:10 |
ما من شك في أن المجتمعات البشرية مهما بلغت من العلم والتطور في عالمنا اليوم ستظل مرهونة بتراثها الإنساني الذي يميزها، فيه تري ذاتها وبه تقرأ مستقبلها، فأي مجتمع لا يملك موروثا ثقافيا يكون وعاءا مميزا لإفراده الذين ينتمون إليه، فإنه يظل مجتمعا عاجزا عن تجاوز الحاضر بخطوات واثقة، نظرا لغياب الداعم الروحي والمعنوي لمنتسبيه؛ فالتطور العلمي والتكنولوجي، الذي حول العالم اليوم من تجمعات بشرية مغلقة على جملة من الحروف والمعاني والأشكال في عدة ملايين من البشر، إلي قرية صغيرة بدون حواجز رملية ولا حدود جغرافية، وحتى لغوية، يشكل خطرا أكبر على الكنوز العلميةالثقافية، والحضارية لبني البشر، الذين وجدوا بعيدا عن حدود عالمنا اليوم، فالمجتمع العربي والهندي والصيني والاروبي والأفريقي، يزخر كل على حده بمورثه الثقافي الذي يشكل رافدا مهما وشموعا مضيئة لتلك الشعوب، عبر تجارب ومميزات سابقة، ظلت شعوب تلك البلدان تحافظ عليه، وتحول دونه والاندثار ولو كليا، وبقدر ما حافظت عليه في وجه الاجتياح العولمي، بقدر ما ازداد العالم إيمانا وتطورا وحبا في الإبداع والتبصر، ومن هنا فإن المجتمع الموريتاني، الذي اشتهر كباقي مجتمعات المعمورة، بثقافته وتقاليده الضاربة في أعماق التاريخ، في ظل ما يعرف تاريخيا ببلاد "شنيقيط" ومملكة أوداغست " غانا" حضنا منيعا له منذ أيام الهجرات العربية الأولي إلي هذه الأرض، لمجتمع " البيظان" والبولار، الذين عرفوا سكانا للمنطقة منذ عشرات القرون، وحافظ المجتمع الجديد بعد تركيبته السكانية المتنوعة التي ضمت فئات عرقية مختلفة، على موروثة الثقافي والاجتماعي الأصيل، فالعادات والتقاليد للمكونات اجيوسلوجية لسكان هذه الأرض، استطاعت عبر الأزمنة المختلفة من تطور البلد أن تبقى بريقها اللامع في مواجهة جارفات العولمة ومترادفاتها الحديثة؛ وانطلاقا من مبدأ نسبية الهوية، التي أضحت من أكبر القضايا التي تواجه المشروع الوطني للدولة، في القارة السمراء عموما، وفي هذا الشريط خصوصا، حيث لازالت كلّ دولة فيه تعاني أزمة التكامل القومي، وتبحث عن خيوط الوحدة وعناصر نسيجها وضمان توازنها واستقرارها؛وبعيدا عن لغط المفهوم المشترك للهوية الموريتانية، وتعدد اللغات والإثنيات، وصراع السيطرة الذي يعزف بعضنا على وتره، لحاجة في نفس يعقوب، فإن موريتانيا ستبقى بألوانها ولغاتها الوطنية المختلفة، بإقليمها، ومصادر هويتها المختلفة، اثنيا وعرقيا، سلالة، وقرابة، دينيا، وقبليا، ولغويا، وحضاريا، وتاريخا، مصدر قوة وإلهام للشعب العربي الإفريقي الواحد؛ وسدا وحيدا منيعا في مواجهة الذوبان الحضاري والثقافي له؛ وهي المقومات التي لن نتناولها من جانب اللغط " اللغة، العروبة، الزنوج الأفارقة،" بقدر ماستنا ولها من الجانب الأكثر دعما للوحدة الموريتانية وأكثرها قبولا في مواجهة أمركة عالمية لا تبقي ولا تذر؛ باعتبار التنوع الثقافي مصدر قوة للإنسان في مواجهة التشرذم؛ فمجتمع "البيظان" الذي يشكل الغالبية من سكان البلد لا يزال يحافظ حتى اليوم على المكونات الثقافية التي تميزه عن غيره من باقي شعوب القارة الإفريقية؛ فبحكم أن المجتمع ككل يدين بدين واحد " الإسلام" فقد أصبح مصدرا أساسيا للهوية الثقافية الشنقيطية، رغم محاولة المستعمر القديم " الاحتلال" والحديث " العولمة" أن يلعبا على إبعاد ذالك المصدر بطرق مختلفة، مازج فيه بين الضغوطات الاقتصادية والثقافية داخل مكوناته، واستهدفت تدميرالاقتصاد المحلي وعلمت على إنشاء اقتصاد بديل تابع لها بحيث تتحكم في عناصره الأساسية، وفي الغالب الأعم تكون وجهته خدمة القوة الاستعمارية المسيطرة بالدرجة الأولى، ثم السكان المحليين واحتياجاتهم في الدرجة الثانية، كما اشتغلت القوة الاستعمارية على تفكيك البنى الثقافية واللغوية المحلية، وتحطيم الأثنية الصلبة فيها كالعقائد والتقاليد والأنماط الثقافية الممتدة تاريخيا والتي ينظر إليها الاستعمار كقلاع تتحدى أهدافه الثقافية والسياسية؛ وخلال السيطرة الكلية هذه نشأت علاقات تبعية يقوم من خلالها المستعمَر بتقليد القوة المستعمِرة في الكثير من الأبجدية بما يشوه التكوين الأصلي للثقافة والهوية، وهو مبدأ "تخلف الآخر"، وإحلال بدلا من ذالك مصادر اللغة، والعرق، الخ..؛ فهناك أنماط ثقافية وشكلية سائدة في المجتمع الموريتاني تتشابه فيها مكونات المجتمع الموريتاني ثقافيا، فالمرأة مثلا في مجتمع "البيظان" عرفت منذ القدم لباسا متميز عرف ب " الملحفة" وهي نوع من الملابس يغطي كافة الجسم ماعدا الوجه والكفين، ويتقاطع مع المذهب الديني للموروث الموريتاني " مذهب الإمام مالك" والرجل يلبس الفضفاضة " الدراعة" منذ أن وطأت قدماه هذه الأرض، وهي تعتبر جزء من هويته الثقافية، أما المرأة الزنجية فلا تزال رغم غزوات العولمة وإغراق السوق بالملابس الحديثة ك" كالبنطلون" فلم تتزحزح في غالبهن الساحق، عن مورثوها الضارب في أعماق الوجدان الإفريقي فهي تحافظ على أن تزين جسمها بما يعرف " رنباية"، ويتقاطع الرجل الزنجي، مع " العربي" في لبس " الفضفاضة" مع اختلاف في التفاصيل؛ وهكذا ظل الشعب الموريتاني معتزا ومحافظا بمورثه الثقافي والعقائدي الذي يشكل صمام أمان لهويته ويميزه دون غيره، بعيدا عن جدليات زائفة يحاول العولميين الاستعماريين، أن تغطى على حاضره، وتحدد ملامح مستقبله مثل عربي أوزنجي, إفريقي، أوعربي, فرنسية، عربيّة، تعريب أوتفرنس، أبيض أوأسود، كبلة أوشرك، بيظان، حرا طين !!، مدعمة بمصطلحات حديثة على المجتمع كالتهميش، والإقصاء، والاضطهاد الثقافي، وأني لهم ذالك؟؟ وسنخلص أخيرا إلي أن السبيل الوحيد للشعب الموريتاني للمحافظة على هويته في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية، هو تعزيز أواصر الأخوة الدينية بين مكوناته، التي تعتبر داعما قويا لنسيجه الاجتماعي، كما يجب على السلطات الإسراع في تعديل المنظومة التربوية وإدراج تحسينات عملية عليها، من قبيل فرض تدريس اللغات الوطنية الأربعة في الابتدائية لطلاب المدارس، لتجاوز الإعاقة في التواصل بين فئات الشعب المختلفة للتواصل في ما بينها، التي تعد من الاختراقات الأخطر في تحدي الهوية المشتركة للشعب الموريتاني.
مولاي ولد ابحيده 2011 النص الحاصل على جائزة حبيب محفوظ.. |