المنطق يقول إنه تاريخ واحد/سيدي محمد بن جعفر |
الثلاثاء, 03 فبراير 2015 11:20 |
في بلادنا ظواهر معقدة جدا ومحيرة لا يمكن فك ألغازها أو الكشف عن مضامينها بسبب ما تمثل من تناقضات، من تلك الظواهر مسألة كتابة تاريخنا المعاصر حيث ما زال عصيا على العرض العلمي والنقد المنهجي ، فالمقبول منه فقط هو الجانب المناقبي عديم القيمة العلمية، وترس حجب الحقيقة الصلب، يخيل للمهمة به أن صناعه في نفوس البعض ليسوا بشرا عاديين، وأنه أكثر من كونه وقائع وأحداث دارت في زمان ومكان محدود وأن تلك الأحداث والوقائع لها منطقها ودوافعها وآليات تمكينها وإخفاقاتها ولا تحمل أي طابع قدسي إلا في نفوس المرضى الذين يعتقدون بأن الشأن العام وحركة المجتمع ممتلكات أسرية، لا يجوز الحديث عنها إلا بإذن مسبق منها وهي الوحيدة التي تحتكر المعلومة الحقيقية، وكل معلومة لا تنسجم مع ذلك النسق فهي من حاسد كاذب متقول يجب وضع حد لتطاوله على المقدس الزائف، هذا ما يقول واقعنا. ومن المؤسف أن بعض المهتمين يسايرون هذا التوجه وساعدوا كثيراً في ترسيخه ونشره والتمكين له، فأصبح جل ما يكتب عن تاريخنا المعاصر خال من أي فكرة يمكن الاعتماد عليها لفهم مسيرة المجتمع المعاصرة، ومعرفة مكامن الأخطاء التي ارتكبت وترتبت عنها ترسبات لها تأثير على حاضرنا، لأن الرقيب القبلي أو الجهوي أو الشرائحي، أو العرقي المرسخ في الأذهان يحول دون ذلك، ومعرفة النجاحات التي تحققت خلالها حتى تكون نبراسا نشيد به بعيداً عن المبالغات التي تطبع تعاطينا مع تلك النجاحات. بقراءة ما يكتب نخبنا عن تاريخنا المعاصر تشعر بأسى عميقا، حيث تلاحظ دون عناء أن ما تخط يمين المثقف المتمكن من أدوات الكتابة، لا تختلف في شيء عما تسمعه في أحاديث العامة الممجدين لأبناء القبيلة،وليس أبناء الوطن الذين شاركوا كلهم في صنع تاريخ تلك المراحل التي عاصروا،لكل منا زاويته التي ينظر إلى أحداث الأمة انطلاقا منها، وهو العارف أن ما سطر مخالف لما تقتضيه المنهجية المعاصرة التي يحفظ تفاصيل قواعدها التي من أبجدياتها قاعدة الصرامة المنهجية، ووضع مساحات بين ما نحب أن يكون والحدث الذي كان،أي تخفيف جرع العاطفة، وزيادة جرع الحياد، والبحث عن الحقيقة بتواضع يقبل صاحبه اعتماد رواية الأقل شأنا التي تدعمها القرائن ولها حواضن ، ورد روايات أهل الدراية والشأن التي تخالف الوقائع والمنطق، فالحقيقة هي الهدف، والقامة المعرفية المشهورة ليست المصدر الوحيد فقد تخطأ، وقد تضلل عمدا لأن مصالحها تقتضي ذلك. إن المنطق يقول إن تاريخنا المعاصر هو تاريخ واحد قد نختلف في تحليل مضامينه وتفسير نتائجه ، أما أن يكون لكل كاتب تاريخه ولكل مهتم أحداثه مجسدا رؤية مجتمعه وغايات محيطه الضيق فتلك ظاهرة محزنة حرمتنا من معرفة الكثير عن ماضينا القريب الذي يقدم لنا غالبا بروايات تشتت ذهن المتلقي ، فاختفت من الواجهة بسبب ذلك أمور عظام ما زالت حاضرة في الذاكر المحيدة، نحتاج قبول أن التاريخ ملك للأمة وليس لأفراد ولا قبائل ولا لجهات، وان الكل شارك في صنعه، وأن التاريخ المناقبي لا يفيد في فهم الماضي الذي يساعد على رسم طرق ولوج المستقبل علينا أن نتحرر منه بقدر الإمكان. |